تحصد ما زرعت يداك

ريم داوود:

إِن لم يَصُنْ خُلقَ الصغارِ مهذبٌ… ماذا يحاولُ وازعٌ ومُشَرِّعُ

أو لم يكنْ أدبُ السجايا رادِعاً … للناشئينَ هل العقوبةُ تَرْدَعُ؟!

يولد الطفل بفكر نقي وقلب طاهر ووعي بدائي يكتسب من خلاله تفاصيل الحياة الجميلة ليباشر الوعي عمله جنباً إلى جنب ملازماً لعمل اللاوعي، ويبدأ هذا الوعي بنقل المعلومات عن المحيط وضخّها وتخزينها في العقل، ويتطور وعي الطفل يوماً بعد يوم منفتحاً على العالم والمجتمع مكتسباً منه كثيراً من المعلومات الجاهزة والمقولبة دون فسح المجال له بالتجريب والاختبار والاختيار.

  • الخروج عن الشخصية: يقول عالم النفس، ديفيد ديستينو: (إن كل فرد منّا، حتى الأكثر احتراماً بيننا، لديه القدرة على التصرّف خارج نطاق شخصيته التي نعرفها. يتورط السياسي المحترم في قضايا فساد، والأزواج يخونون، والحكّام الذين نظنَّ أنهم منقذو الشعوب قد يتحولون في النهاية إلى جلادين، حتى نفقد القدرة في النهاية على توقع تصرفات المقربين منّا)، ويرى ديستينو أن الجميع تتأرجح شخصياتهم بين (القدّيس) و(العاصي)، كأننا نحمل بداخلنا الاثنين معاً. يُشير كلٌّ من (ديفيد ديستينو) و(بييركارلو فالديسولو) وهما باحثان في علم النفس ومؤلفا كتاب (الخروج عن الشخصية)، يشيران إلى أن داخل كلٍّ منّا قديساً وعاصياً يسيران جنباً إلى جنب، وقد توصلا لهذه النتائج من أبحاثهما وتجاربهما في مجال العواطف الاجتماعية بجامعة (نورث إيسترن) البحثية، بولاية بوسطن الأمريكية. وترى الطبيبة النفسية إيما سيبالا أن بداخل كلٍّ منّا ملاكاً يمكن أن يتحوّل إلى شيطان، والعكس صحيح، لكن يمكن للخير بداخلنا أن ينتصر على الشر من خلال (غريزة التعاطف) وهي القدرة على مشاركة مشاعر الفرح والألم مع شخصٍ آخر خارج نطاق ذواتنا. ومن هنا تكمن أهمية تعزيز هذا التعاطف بداخلنا وداخل أطفالنا لكي نتمكّن ونمكّنهم من التغلّب على الشيطان وإحياء الملاك بداخلهم، وممّا لا شك فيه هو أن للعاطفة دوراً أساسياً في تشكيل السلوكيات الأخلاقية والاجتماعية مثل التعاون، التعاطف، الثقة، ضبط النفس، ومن هنا تظهر أهمية توجيه العواطف نحو تحسين أفعال الإنسان.
  • أفعالنا نتاج أفكارنا ومعتقداتنا: يعجُّ عالمنا العربي بقصص مُتكرّرة عن جرائم قتل تدور أحداثها ضمن العائلة الواحدة، فإمّا أن تكون الفتاة فيها الضحية، أو أن يتمَّ قتل الزوج لأسباب عديدة، أما آخرها فتلك التي قصمت ظهر البعير! أن يقتل الابن أباه لهدف الميراث، أو لأسباب تتعلّق بالمال! وهل أبشع من هذا؟! والأسوأ من ذلك أنّنا بتنا نُعلّق كل أخطائنا على شمّاعة الحرب وكأن الحرب هي سبب بلوانا ناسين مُتناسين أنّنا نحن من سبّبنا تلك الحرب. نعم، قد يتفاجأ الكثيرون من وجهة نظري ورأيي، لكنني وبكل قناعة أُؤكّد أنّنا سببٌ كبير للحرب التي عشناها، فلو كنّا نملك الوعي والفكر والتناغم اللازم لما سقطنا ضحيتها، ونحن اليوم لسنا بصدد هذا الجدال، فهناك أمر أهم وأعمق بكثير ألا وهو الجيل الصاعد، جيل المستقبل، بناة المجتمع وبنيانه. نحن اليوم نحصد ما نزرعه تماماً كما الفلاح، فمن اعتنى بزرعه ورواه باهتمام ودراية مُراعياً في ذلك عدم الزيادة والنقصان، مُغدقاً على زرعه السماد اللازم حصد محصوله الوفير وعاد عليه بالنعم والوفرة والخيرات. كذلك هم أبناؤنا فكلما أحسنّا تربيتهم بالعطف والحنان والحب متلازماً مع الحزم بعيداً عن العنف والعدوان، حصدنا منهم الأخلاق الحسنة والثقة العالية وحسن المعاملة، وإلاّ فكل ما عدا ذلك هو زرعنا فيهم وحصادنا لهم. فلنكن لأطفالنا مُعلمين وهم أطفال، وأصدقاء وهم كبار فننال منهم كل حسن وجميل وسليم، ولنزرع في قلوبهم الرحمة والعطف والتعاطف مُعزّزين في داخلهم حبَّ الآخر حاجبين عنهم العنف والعدوان والقسوة فيشبّون على فعل الخير والرحمة والسلام.
العدد 1105 - 01/5/2024