متلازمة داون.. متلازمة الحب

إعداد – إيمان أحمد ونوس:

(أنتم متلازمة الحب بيننا، يتميّز أصحاب متلازِمة داونْ بالعاطفة الجيّاشة والرقة، لذلك علينا توخي الحذر في الحديث معهم والانتباه لإشارتنا وحركة عيوننا وإخفاض صوتنا). بهذه الكلمات وصفت الدكتورة إيمان جاد (أستاذة التربية الخاصة) مُصابي متلازمة داون.

لقد اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها رقم 149/66 في كانون الأول 2011 على إعلان يوم 21 آذار(مارس) يوماً عالمياً لمتلازمة داون، وقد دعا القرار المذكور جميع الدول الأعضاء ومؤسسات منظومة الأمم المتحدة المعنية والمنظمات الدولية الأخرى والمجتمع المدني، بما في ذلك المنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص، إلى الاحتفال باليوم العالمي لمتلازمة داون بطريقة مناسبة لتوعية الجمهور بمتلازمة داون.

وقد اختير 21 آذار يوماً عالمياً لمتلازمة داون في إشارة إلى أن الكرموسوم رقم 21 في نواة الخلية هو الذي لديه خلل، بوجود كروموسوم زائد عليه، ولديه ثلاثة بدلاً من اثنين. ومن هنا جاء اختيار 21/3. وهذا الكروموسوم الزائد يظهر تحديداً في صفات الوجه، ولذا يبدو جميع الأشخاص ذوي متلازمة داون وكأنهم متشابهون، وهذا هو ما يميزهم.

إن متلازمة داون هي حالة وراثية، فالشخص يولد مع كروموسوم زائد يُغيّر مسار التطور. ظهرت في ثمانينات القرن الماضي دراسة توقّعت أن يعيش المصاب بِمتلازمة دَاون نحو 25 سنة فقط، إلاّ أن هذه النظرية دُحضت، إذ يعيش بعضهم إلى عمر60 سنة. صحيح أن بعض المصابين بمتلازمة داون يعانون من مشاكل صحية، مثل عيوب في القلب، لكن مع الطب الحديث أصبح هناك فرصة كبيرة لعلاج هذه المشكلات. ويمكن للأشخاص المصابين بمتلازمة داون متابعة الدراسة، وممارسة الأعمال، والتعايش مع المجتمع بشكل طبيعي جداً.

ومن هنا جاءت أهمية اليوم العالمي لمتلازمة داون في تحقيق أهدافها الأساسية، التي تدعمها المؤسسات والمنظمات الحقوقية المحلية والعالمية لنشر الوعي بين الناس، ومن أهم أهداف الاحتفاء بيوم متلازمة داون العالمي لهذا العام 2022:

  • توحيد الصوت العالمي لدعم حاملي متلازمة داون في العالم أجمع.
  • المشاركة في تسهيل عملية دمج مصابي متلازمة داون في المجتمع ومراكز العمل وسوق المهن العامة.
  • نشر فعاليات الاحتفال والنشاطات التي تقام فيه عبر منصات التواصل الاجتماعي والمواقع العالمية لنشر الوعي بها.
  • توفير رفاهية كاملة لمصابي متلازمة داون بحصولهم على الامتيازات الإنسانية والاجتماعية اللازمة لحياة طبيعية كريمة.
  • المشاركة في توفير أكبر كم من التفاعل والتعاطي مع الحالة الوراثية لمتلازمة داون من المواطنين والنشطاء.
  • العمل على رفع مستوى وعي الناس فيما يتعلق بمتلازمة داون وأعراضها وكيف يصابون بها.
  • نشر فكرة أن متلازمة داون ومصابيها جزء من المجتمع ويجب العمل على دمجهم للرفع من شأن المجتمع وتنميته كمجتمع متساوي وعصري.
  • تقديم الدعم والقوة لأصحاب متلازمة داون بتشجيعهم على العمل والدراسة دون خوف من نظرة الناس أو المجتمع مع تثقيفهم بحقوقهم.
  • إن مريض المتلازمة ليس قاصراً أو مُعاقاً عقلياً وحركياً، بل هو إنسان لا يختلف عني وعنك وعلينا بثّ القوة فيه ليمتلك الإرادة والعزم على نيل أهدافه ومنحه الحقوق اللازمة لكفاحه دون منحه أوقاتاً صعبة.
  • بثّ الطاقة الإيجابية حيثما وجد مريض بمتلازِمة داون، وذلك لجعله سعيداً ومستمتعاً باللحظة التي يكون فيها بين الناس، دون جرحه أو مدّه بشعور العجز والضعف.

فلنتوقف عن استخدام مصطلح (طفل منغولي) المنتشر بين الناس، ولنعمل على نشر مصطلح متلازمة الحب، فهم أشدُّ رقّة وحبّاً من الناس الطبيعيين، وعلينا تثقيف أكبر قدر ممكن من فئات المجتمع بخصوصهم لدمجهم بيننا أكثر. كما على الدولة تقديم حقوق كاملة لتلك الفئة تزيدها بعقوبات شديدة لمن تسوّل له نفسه أذيتهم أو استغلالهم.

وقد جاء شعار اليوم العالمي لمتلازمة داون لهذا العام لدعم كل تلك الأهداف من خلال العبارة التالية: (المشاركة والدمج الفعّال بالمجتمع) في إشارة مهمة إلى ضرورة تطوير الدور الفعّال لأصحاب متلازمة داون في المجتمع وإعطائهم فرص الاندماج فيه، فهم يملكون مواهب وقدرات متفاوتة تمكّنهم من التعامل مع الناس، خاصّة من يمتلك حالة متلازمة داون خفيفة.

كما يمكن تحسين نوعية حياة المصابين الذين يعانون من متلازمة داون من خلال تلبية احتياجاتهم، من توفير الرعاية الصحية التي تشمل إجراء الفحوص الطبية المنتظمة لمراقبة النمو العقلي والبدني وتوفير التدخل في الوقت المناسب سواء كان ذلك في مجال العلاج الطبيعي أو تقديم المشورة أو التعليم الخاص. كما يمكن للمصابين بمتلازمة داون تحقيق نوعية حياة مُثلى من خلال الرعاية الأبوية والدعم والتوجيه الطبي ونظم الدعم القائمة في المجتمع، مثل توفير المدارس الخاصة مثلاً، وتساعد جميع هذه الترتيبات على إشراك المصابين في المجتمع لتمكينهم ولتحقيق ذواتهم.

إن الوصمة الاجتماعية التي يعاني منها الأشخاص ذوو متلازمة داون وأسرهم في المنطقة العربية تُمثّل عقبة أمام دمج هؤلاء الأشخاص بشكل كامل في مجتمعاتهم حسبما ذكرت د. إيمان جاد. وقالت:

(الوصمة الاجتماعية المرتبطة بالتوقعات من ذوي متلازمة داون، أو ما يُطلقون عليه سقف توقعاتهم، المشكلة أن الكثيرين جداً من الناس تتخيّل أن هؤلاء الأشخاص لابدّ لهم من الاعتماد على الغير، ويحتاجون إلى الآخرين لإعالتهم).

فلنعمل على تغيير تلك الوصمة السلبية باتجاه وصمة إيجابية وفعّالة لأجل إنصاف هذه الشريحة من المجتمع، والتي لا شكّ ستترك بصماتها الرائعة إن توافرت لها جميع الظروف المواتية والمناسبة والداعمة.

العدد 1107 - 22/5/2024