مدخل جديد للنظرة إلى المساواة

يونس صالح:

المساواة بين البشر قضية قديمة رغب بها الكثيرون، وأعلى شأنَها الفلاسفة، وتبناها المعلمون، وقد أخذت فكرة المساواة معاني عدة تمتد من المساواة بين الأجناس، إلى المساواة بين الرجل والمرأة، والمساواة الاقتصادية والاجتماعية. ولقد تبنت النظريات والأدبيات السياسية والدساتير والقوانين الكثير من ذلك، ولكن بقيت حقيقة تقول إنه مع كل تفاوت شاسع جديد تبرز الحاجة لإعادة النظر في معنى المساواة وحدودها وتطبيقاتها، وهذا هو الموقف الآن بين البشر.

يقول التاريخ، إن هذه القضية طويلة، وربما كانت حلقاتها الأولى هي ما مسّ انقسام المجتمعات قديماً إلى أحرار وعبيد، وكانت المساواة تعني تحرير العبيد، والقضاء على ذلك الشكل البغيض عن العلاقة بين البشر.

ورغم أن العبودية قديمة، فإن أشكالها قد ظلت تعيش بيننا، هكذا تشير تقارير دولية عن بقية من رق أو عن مستحدث من بيع وشراء لرقيق أبيض من النساء والأطفال.

بعد ذلك، كانت أنواع شتى من المساواة أو المطالبة بالمساواة، فها هي ذي الثورة الفرنسية تتحدث عن المساواة السياسية ومشاركة الكل في إدارة الوطن، وها هي ذي الثورة البلشفية تدعو إلى المساواة الاجتماعية، ثم عرف العالم نوعاً آخر من المساواة، وهي المساواة بين البشر، كما جاءت في قوانين حقوق الإنسان، ووجدت أفضل تعبير عنها بعد الحرب العالمية الثانية وإنشاء الأمم المتحدة (فلا تفرقة على أساس الدين أو الجنس أو اللغة)، وكل شعب يتمتع بحقوق متساوية في السيادة والاستقلال، أي المساواة بين الأمم (بالطبع لم يتحقق ذلك عملياً).

وقد سبق ذلك، كما تلاه في الوقت نفسه الصراع من أجل المساواة بين الرجل والمرأة، وهي المساواة التي لم تكتمل، حتى في الدول المتطورة، والتي يشهد فيها الرجل تفوقاً في امتلاك الثروة، وشغل المناصب ومواقع اتخاذ القرار في المجتمع.

وقد جرت وتجري محاولات للانتقال من المساواة السياسية إلى المساواة الاقتصادية والاجتماعية.

ولكن الأرقام تقول إننا عندما نتحدث عن المساواة السياسية، فإننا نرى فيها عيوباً كثيرة، وخللاً واضحاً يعود لأسباب عديدة سواء كانت مساواة بين الأمم أو مساواة داخل الأمة الواحدة، وعندما نتحدث عن المساواة الاقتصادية فلا نجد منها، إن وجدنا- غير الحد الأدنى. ونتحدث عن المساواة الاجتماعية، فنجد من التقاليد والأعراف والقيم السائدة ما يكبل الأيدي والأرجل والعقول معاً.

لم يبق إذاً- وكمتاح للقضية- غير الحديث عن المساواة في الفرص، وأولها فرصة المعرفة التي تنقل الإنسان وتنقل المجتمعات من حال إلى حال.. وهي ذاتها التي تشهد الآن بوناً يزداد اتساعاً وفروقاً هائلة تنبئ عن قرن جديد مليء بالمظالم.

إن هذه الفروق في فرص الحصول على المعرفة تجعلنا نعيد النظر في قضية المساواة انطلاقاً من فرضيين، الأول فإنه كلما اتسعت الهوة في مجال ما ذُكِر، يطرح السؤال التالي: هل من سبيل للمساواة أو تضييق الهوة سعياً لحقوق بشرية متساوية؟ أما الفرض الثاني، فهو أن المعرفة سبيل التقدم، وأدوات الاتصال بتنويعاتها هي الوسيلة لتحقيق معرفة أكثر، وبما يحقق أنواعاً أخرى من المساواة، مثل المساوة السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، وحتى مساواة الحد الأدنى التي تحدثنا عنها لا تجد سبيلاً بغير معرفة أكثر، فما بالنا لو تحدثنا عن الديمقراطية (التي تحقق المساواة السياسية) لو تحدثنا عن العدالة الاجتماعية (وهي التي تحقق نوعاً من المساواة الاقتصادية والاجتماعية) أو تحدثنا عن تطور القيم والأعراف التي تحقق المساواة فيما بين الرجل والمرأة، وبين سائر أنواع البشر والأمم.

الفرص المتساوية في علم ومعرفة، في اتصال بالعالم ومتابعة مجرياته والتفاعل مع هذه المجريات، ذلك على ما أعتقد ما ينبغي أن تسعى إليه البشرية.

والسؤال المطروح: هل تصبح المساواة في الفرص هدفاً رئيسياً؟ وهل يكون الاتصال وتكون المعرفة في مقدمة هذه الفرص؟

إن الطريق إلى المساواة بكل أنواعها يمر بالمساواة في الفرص، وليست مجرد مساواة في الدساتير والقوانين والوثائق المكتوبة رغم أهميتها.

 

العدد 1105 - 01/5/2024