نهاية مُحزنة.. حان وقت الفاجعة.. إنها النهاية!

ريم داوود:

خطّت الفتاة رسالة صغيرة، ثم مشت بضع خطوات نحو الشجرة الكبيرة مدلّية حبلاً ثخيناً علّقت به نفسها مُعلنة الخاتمة. كان مفاد تلك الرسالة: (أحبكما أمي وأبي، لكني لم أجد ذاتي في هذا العالم).

تكشف لنا وسائل التواصل الاجتماعي باستمرار عن حوادث انتحار مُتعدّدة ومحاولات مُتكرّرة لأفراد يُقدِمون على إنهاء حياتهم بطرق غريبة دون معرفة الأسباب الكامنة خلف ذلك الفعل، وقد تباينت الآراء ووجهات النظر حول موضوع الانتحار بين معارض ومؤيد حسب تأثرها بالمفهوم الوجودي، كالدين مثلاً والحياة من مبدأ أن الانسان مخلوق على صورة الله ويُحرّم عليه إنهاء حياته ما لم يشأ الخالق ذلك، ذلك أن للحياة قدسيتها ومفهومها السامي. وفي بعض الثقافات تُعدُّ وسيلة للتكفير عن الخطأ والذنب الذي ارتكبه الشخص (ثقافة الساموراي).

  • سيكولوجيا الانتحار: حسب علم الاجتماع يُعرّف الانتحار بأنه جميع حالات الوفاة المباشرة وغير المباشرة الناجمة عن فعل إيجابي أو سلبي من قبل الضحية (إميل دوركهايم). فقد عمل (دوركهايم) على دراسة توضح التباين في معدلات الانتحار بين شريحة معيّنة من الأفراد وأخرى مختلفة عنها، فوجد أنها تختلف حسب اختلاف العوامل البيولوجية والنفسية الاجتماعية، فلا أحد يستطيع أن يجادل بأن معظم هؤلاء المنتحرين والذين يقرّرون إزهاق أرواحهم بأيديهم قد فقدوا القدرة على الشعور العميق بالأشياء، وأصبحوا غير قادرين على رؤية الحياة بغير المنظور السوداوي، فهم على الأكيد محبطون، مشوشون، فاقدون للأمل، منحسرو التفكير، يفتقرون للأمل والرجاء.
  • أسباب الانتحار: حتى الآن تُعدُّ أسباب الانتحار غير مُحدّدة، لكن ممّا لاشكَّ فيه أن الظروف المعيشية الصعبة تلعب دوراً كبيراً في الإقدام على هذا الفعل، لكنها ليست أساساً لذلك. ففي العصور الوسطى وحسب دراسة أقامها الباحث (أنتون هوف) كانت أسباب الانتحار تعود للشعور بالعار ولوعة الفقد، في حين صُنّفت أسباب الانتحار في القرن التاسع عشر وفي فرنسا تحديداً نتيجة الادمان المفرط على الكحول، ونجدها في القرن العشرين مرتبطة بوجود أمراض نفسية كالاكتئاب والهوس والفصام.. فوفق دراسة أجراها طبيب نفس الأطفال في نيويورك (ديفيد شافر) وجد أن هناك فروقاً بين الجنسين من حيث الإقدام على الانتحار، فالعديد من الذكور المراهقين المنتحرين لم يكونوا محبطين وحسب، بل كانوا شديدي العدائية، عنيفين ومندفعين نحو الكحول والمخدرات ويعانون من صعوبات في التواصل مع المحيط من حولهم. وقد بيّن علماء الطب العصبي والطب الإكلينيكي أن المكتئبين أشخاص يعانون من مشكلة استحضار ذكرى تجاربهم السيئة بشكل سوداوي بعيد عن الإيجابية، إذ يتصف تفكيرهم بالجمود الذي يدفع بهم نحو التفكير بالموت كبديل وحيد لمعاناتهم، ليس ذلك وحسب بل يجدون فيه البديل الرومانسي والمُغري.

إن هذا الشعور بفقدان الأمل واليأس والسلبية تجاه المستقبل هو أحد أهم علامات المنتحر التي يجب علينا مراعاتها وملاحظتها والأخذ بها على محمل الجدِّ.

كانت غرفة الفتاة مرتبة كعادتها، منظمة ماعدا كُرّاسات الكتب ومجموعة الأقلام، فقد بُعثرت في كل مكان. كانت تلك اللحظة الأخيرة التي شهد فيها الوالدان طفلتهما على قيد الحياة.

العدد 1105 - 01/5/2024