مجدّداً.. عن هجرة العقول

ندى حبال:

(لا يمكن بناء وطن يحلم مواطنوه بالبناء خارج الوطن).

استوقفتني هذه العبارة للدكتورة رشا سيروب أستاذة كلية الاقتصاد في جامعة دمشق فرع القنيطرة؛ هذه العبارة مطابقة تماماً لما يراود أذهان الشباب السوري هذه الأيام، فجميعهم تقريباً يرغبون في الهجرة إلى الخارج لبناء مستقبلهم المهني أو لإكمال دراستهم آملين في الوصول إلى جامعات وبلدان تقدّس العلم وتحترمه.

وهذا يدفعنا إلى التساؤل، وإن كانت الأسباب معروفة للجميع ولكن لمجرد التذكير بها: لماذا يرغب شبابنا وخاصة الطلاب الجامعيين الذين يرغبون بإكمال دراساتهم العُليا في السفر إلى الخارج إما عن طريق المنح الدراسية أو السفر دون رجعة؟

هناك شقّان للسؤال يمكن من خلالهما الإجابة عن هذا التساؤل:

الأول_ في كل عام يصدر تصنيف للجامعات حول العالم بالاعتماد على معايير عدة؛ منها مستوى التعليم والمناهج الدراسية، إضافة إلى نسبة الإنفاق على البحث العلمي وغيرها من المعايير؛ وفي كل عام تتذيّل جامعاتنا السورية القائمة، لتشعرنا بالفخر بهذا الإنجاز!!

أما الشق الثاني فهو شق يتعلق بنظام التعليم الداخلي في جامعات سورية.

كمثال على ذلك ما جاء على لسان بعض طلاب الدراسات العُليا الذين التقينا بهم.

فأحد الطلاب يقول: (من أول ما صرت سنة تانية بالماجستير صار الضغط أكبر علينا من ترجمة ووظائف عملي، بس هاد مو مهم قد فكرة إني طالب جاية من برا سورية وبدّي جدّد سند الإقامة وما عندي مكان أقعد فيه غير بالسكن الجامعي، وبالسكن نفسو عم يشنططوني وما عم يقبلوا يعطوني سكن مؤقت أكتر من شهر، وأنا سند إقامتي بدّو شهرين عالأقل ليطلع! والدكاترة بالجامعة ما بهمّهن هاد الحكي ولا فيه مراعاة! من وين بدنا نلاقيها لوين؟!).

طالب آخر: (أنا نفس مشكلة رفيقي بس أخف بشوي، أنا من طرطوس وعم أدرس بدمشق، وعندي تكليف مراقبة وما عم يعطوني غير أسبوعين.. والله ماني مضطر أنزل وأطلع كل يومين مشان ٣٠٠٠ يلّي بدها تطلعلي آخر شي!!).

وهناك أسباب أخرى تمنع الطلاب من الالتحاق ببرامج الدراسات العُليا، منها عدم تعاون أساتذة الجامعة بالشكل المطلوب مع طالب الدراسات، وعلم الطلاب أن رسالتهم الجامعية ستُلقى في أحد أدراج المكتبة دون أن يلمسها أحد ويُطوى عليها النسيان، وأهم عامل هو التكاليف العالية التي تُلقى على كاهل الطلاب دون وجود تمويل من الجامعة أو حتى دعم مادي يتناسب مع هذه المصاريف، وهذا يعني أن الطالب الذي لا يملك دخلاً لن يستطيع إكمال دراسته حتى وإن رغب!

وفي هذا الصدد وجب التنبيه أنه من الأوراق المطلوبة للتسجيل في الماجستير ورقة غير موظف لدى الدولة؛ وهذا يسدّ كلّ الطرق بوجه الطالب، فهو لا يستطيع أن يعمل ويسد نفقاته الخاصة بالرسالة وبمعيشته، أو عليه العمل في القطاع الخاص وشق أنفاسه ليفعل الأمرين معاً.

إذاً، العوائق كثيرة والحلول قليلة وأغلبها على حساب راحة الطالب وجهده ووقته، وضياعهما يعني عدم القدرة على الإنتاج الدراسي، وبالتالي نقص الكفاءة العلمية المطلوبة.

إن لم تجد وزارة التعليم العالي ورئاسة الجامعات الحلول قريباً للحد من معاناة هذه الفئة من الطلاب وغيرهم فستعود هجرة العقول لتتصدر المشهد، وسيفوت الأوان على تدارك هذه الأخطاء.

فهل من يسمع ويستجيب؟

 

العدد 1104 - 24/4/2024