بلّط البحر أولاً! (فانتازيا حزبية)

قصة قصيرة بقلم: أيمن أبو الشعر

خرج سامر (أبو عمار) غاضباً من اجتماع حزبي كان النقاش فيه حادّاً، ودون نتيجة، حول أسلوب العمل في جذب الجماهير للنضال من أجلها، من أجل الجماهير نفسها التي باتت تنفضُّ عنهم يوماً بعد يوم، خاصة أنه ورفاقه ليسوا حزبيين وحسب بل هم من أركان قيادة البلدة. وصل إلى بيته مرهقاً ومزاجه متعكر، وسرعان ما اشتعل الحوار مع زوجته، وهي رفيقة له في الحزب أيضاً:

-تخيّلي يا أم عمار، يريد أبو ياسين أن نعتمد لسقاية أرض البلدة كلها على غيمة رسمها ابنه ياسين في دفتره إبان المرحلة الابتدائية، ووضع لها عنواناً (الخصب القادم)!

– ولكن ابنه ياسين تخرج في الجامعة ولم تمطر غيمته! نعم، أولادنا رهف وعمار ومحروس كانوا صغاراً حينذاك، كانوا لا يزالون يلعبون في النادي الرياضي، وهاهم قد حققوا بطولات حقيقية، رهف في الجري، وعمار في الرمي، ومحروس في الغوص، ولم تمطر غيمة دفتر ياسين.

– نعم، هذا ما قلته للرفاق، وقلت لهم الشعب جائع ولابد من تصرف سريع، لا بد من إنقاذ، فاتفقوا على أن يكلفوا الرفيق (أبو كلام) بكتابة خطاب دَسِم!

– يلزم أكتر من خطابين يا أبا عمار.

– يجب أن نرسل الأولاد لإحضار غيوم أخرى من خلف مستودع الكتب المدرسية، فالمناهج اليوم تعاني من الجفاف، وأنا واثق أنهم قادرون، فلن يستطيع أحد من العسس أن يقبض على رهف فهي الأسرع، وقد أهديتها الصندل المجنح الذي استعرته من هيرمس (1)، ولن يتمكن أحد من المتربصين أن يتغلب على عمار، فقد أهديته قوس روبن هود (2)، وحتماً لن يعثر أحد على المحروس فلديه غلاصم أهداه إياها صديقي ألكسندر بيليايف (3)… لكن الرفاق لم يهتموا بذلك طالما تمكن أولادي من إحضار العربة، كانوا فقط متحيرين: أين نربط حصان العربة التي أحضروا عليها السماد والبذار؟

– وماذا اقترحت عليهم؟

-قلت لهم إن أفضل حل هو أن نربط الحصان بالشجرة التي كان والدي ينوي غرسها قرب الطاحونة.

-أية طاحونة؟

– التي اقترحت والدتك التخطيط لبنائها تحت غيمة ياسين، ولكن في دفتر آخر للحصول على مرحى.. وأيدٍ عاملة!

-نعم، نعم! عندئذٍ لم يخططوا بل كانوا قد فكروا بالتخطيط لمشروع بناء فرن كبير لكل المنطقة، لكي يؤمّنوا الخبز وفرص العمل.. ولكنهم لم يتفقوا على شراء الدفتر الآخر لرسم الطاحونة، واشتعل الخلاف هل ستكون الطاحونة جنب الفرن أم الفرن بجانب الطاحونة، وحسم أبو كلام الجدال بأن قال سنجعل كلّاً منهما بجانب الآخر، والمهم أن نحفر بيراً قربهما أو هما قربه.. وظلت فكرة المشروع محفوظة في نشيد (ما في غيم سنحفر بير…).

– هذه تحققت فعلاً.. أهالي حارة (جيران الجامع) تبرعوا بحفر البير، لكنهم حفروه بشكل أفقي واستخدموه كنفق لتهريب الرمان!

– هذا يعني أن هناك مندسّين!

– تمام لذلك قلت لهم: يجب التخلص من الأوهام، دود الخل منه وفيه، هناك أناس طفيليون يعرقلون كل مشاريعنا، لذا يجب أن نتخلص منهم، فضحك المراقبون عليَّ وقالوا: (عيش يا كديش لينبت الحشيش! اذهب وبلِّط البحر قبل التبجح).

– ولي! معقول هيك قلت للمراقبين دود الخل منه وفيه.. لا يا أبا عمار صار لدينا دود جلب كتير.. كان يمكن أن يرسلك المراقبون لبيت خالتك؟

-صحيح، لكني قلت لهم إن خالتي ماتت السنة الماضية، فغيروا رأيهم، واقترحت على الجميع بعنفوان أن نعمل على تبليط البحر كما اقترحوا، فعندما نحقق ما يعتبرونه مستحيلاً سيعرف الخصوم أننا قادرون على صنع ما هو واقعي!

–  تحكي وأنت بكامل قواك العقلية؟

– نعم وهل هناك حل آخر؟ إذا أردنا تغيير هذا الواقع ولا بد من تبليط البحر للخلاص من سيطرة هؤلاء الطفيليين.. أنا مستعد وسأبدأ على الفور بالتبليط.

– والشباب وافقوا معك على تبليط البحر؟

– فاجؤوني بأنهم كانوا أكثر حماساً مني.. شكّلوا لجاناً وفرق عمل لتبليط السماء أيضاً إن لزم الأمر، وأكدوا أن المهم حالياً أن ننتهي من هذا الجدال العقيم ونبدأ العمل.. وقرروا منح جائزة (الخطاب التاريخي) للرفيق أبو كلام عن كلمته التي كان ينوي كتابتها بمناسبة عيد الشجرة عندما كان شاباً قبل خمسين عاماً، ومنحك أنت يا عزيزتي وسام (الرفيق الذهبي) لأنك لم تضيعي وقتك، ولم تحضري أي اجتماع على الإطلاق من هذه الاجتماعات العقيمة!

… مممم خخخخخخخ..

-يا سامر! يا سامر، كفى شخيراً! قم يا حبيبي، صار لازم تروح يا ابني إلى المدرسة، السنة القادمة عندك بكالوربا!  تحتاج إلى همة، حبيبي، (وهز أكتاف)! مبارح تأخرت بسهرتك مع الشباب، قوم حبيبي إن شاء الله خلَّصت وظائفك؟!

سامر يفرك عينيه ويفكر أين زوجته وأولاده؟ ثم يبتسم ويقول بينه وبين نفسه: (لا شك أن الأولاد عثروا على دفتر ياسين، وهم يلعبون الآن تحت أمطار غيمته، والزوجة تنفخ على كمها وتفرك به الوسام على صدرها لتُلمّعه، وهي تحلب البقرة التي في مخططي أن أرسمها العام القادم!

1-      غيرمس أو هيرمس إله من الميثيولوجيا اليونانية، كان رسول الإله زيوس، لديه صندل مجنح وقبعة مجنحة، ويستطيع بفضلهما أن يطير بسرعة.

2- بطل من الفولكلور الإنكليزي يعتقد أنه حقيقي من القرون الوسطى، فارس ماهر في رمي القوس، شجاع وقف ضد الظلم وكان نصير الفقراء.

3-      مؤلف قصة الإنسان الذي يعيش تحت الماء (إنسان الأمفيبيا) وهي من أشهر قصص عشرينات القرن الفائت وحولت إلى فلم سينمائي.

العدد 1104 - 24/4/2024