واشنطن واللعب بالنار على ورقة تايوان!

د. صياح عزام:

يؤكد العديد من الخبراء والمحللين السياسيين أن عودة تايوان إلى الصين هي مسألة وقت، وأمرها محسوم بالأرقام والمنطق وبالتاريخ والجغرافيا، إن عاجلاً أو آجلاً، وهذه الرؤية الحتمية لعودة تايوان إلى أحضان الوطن الأم لا تستند فقط إلى قرارات نظرية، بل تعتمد على مشاهدات وحقائق وزيارات ميدانية لتايوان من قبل العديد من الكتّاب والمحللين السياسيين الذين شاهدوا بعيونهم وسمعوا بآذانهم حجم انحياز الرأي العام في الجزيرة (تايوان) لمبدأ صين واحدة.

إذاً، هناك رغبة جماعية لـ23 مليون مواطن صيني يعيشون في تايوان ينحازون لتحقيق تطور سلمي للعلاقات عبر المضيق، ويدركون أن الصين اليوم ليست كما كانت عليه من قبل، وأن بكين لن تسمح لأي دولة بالتدخل في مسألة الجزيرة بأي طريقة، باعتبارها شأناً صينياً داخلياً.

كما وتستند الرغبة الجماعية في تايوان للعودة إلى الوطن الأم إلى ما يمكن تسميته بالإجماع العام الدولي على أنه لا يوجد إلا صين واحدة في العالم، وحكومة الصين الشعبية هي الحكومة الشرعية الوحيدة التي تمثل الصين بأكملها وتايوان جزء لا يتجزأ من الأراضي الصينية، كما يدرك المواطنون الصينيون عبر (مضيق تايوان) أن البرّ الرئيسي الصيني وتايوان ينتميان إلى الصين نفسها، وأن الإصرار على إثارة مشكلتهم من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها ما هو إلا ورقة ضغط على الصين لعرقلة وحدة أراضيها ونموها وتطورها ونهضتها في كل الميادين، وخاصة على الصعيد الاقتصادي.

لذلك تكرر الصين تحذيراتها العلنية لكل من يقترب من ملف تايوان، مؤكدة أن اللعب بورقة تايوان ما هو إلا لعب بالنار، وتدعو واشنطن إلى التمسك بمبدأ (صين واحدة) والوفاء بتعهداتها بموجب البيانات المشتركة الصينية – الأمريكية الثلاثة.

منذ عام 1979 لم تتوقف واشنطن عن مضايقة بكين بأشكال مختلفة، منها بيع الأسلحة لتايوان وتعزيز العلاقات العسكرية الرسمية مع الجزيرة، وآخرها يشمل بيع أسلحة بقيمة 750 مليون دولار لتايوان، وهبوط طائرات عسكرية أمريكية في جزيرة تايوان، ومرور سفن بحرية أمريكية باستمرار عبر مضيق تايوان.

إلى جانب ذلك، تحتفظ واشنطن بوجود غير رسمي في تايبيه يجسد بـ(المعهد الأمريكي في تايوان) وهو شركة خاصة تمارس من خلالها أنشطة دبلوماسية وتجسسية أمريكية وغربية.

كذلك ذكرت صحيفة (وول ستريت جورنال) الأمريكية مؤخراً أن هناك نحو ثلاثين فرداً من العمليات الخاصة وقوات الدعم الأمريكية يقومون بتدريب وحدات صغيرة من القوات البرية التايوانية، بينما تعمل البحرية الأمريكية على تدريب قوات بحرية تايوانية على قوارب صغيرة، وتؤكد العديد من الوفود الصحفية التي زارت تايوان (عاصمتها والمدن التايوانية الأخرى) أن الأجواء العامة والمشاعر الرسمية والشعبية تفضّل إعادة التوحيد مع الوطن الصيني الأم في نهاية المطاف، لأسباب ثابتة وتاريخية وجغرافية منطقية غير غائبة عن وعي التايوانيين ويرددونها في كل أحاديثهم ولقاءاتهم.

وتشير الأرقام إلى أن حجم الاستثمارات التايوانية المباشرة في بحر الصين تجاوزت 150 مليار دولار عام 2020، وأن الصين تحتل مركز الشريك الأول لتايوان في حجم التجارة الخارجية، تصديراً واستيراداً، وأن هناك نحو مليوني تايواني تربطهم علاقات تجارية واستثمارية مباشرة بالصين ويعيشون فيها، كذلك تزداد عاماً بعد عام المشروعات التايوانية مع الصين (الوطن الأم).

ويدرك مواطنو تايوان أن اقتصاد الصين في نمو مطرد، وأن الصادرات الصينية للعالم تتزايد، وأن سعر صرف اليوان الصيني قوي، ولم يشعر الصينيون بتراجع بسبب وباء كورونا.

 

العدد 1104 - 24/4/2024