مرة أخرى.. حال أفغانستان ومآلها

د. صياح فرحان عزام:

شيء محزن ومخيف في الوقت نفسه ما يحدث في أفغانستان، أكثر من 20 عاماً تحت الاحتلال الأمريكي تارة ونيران الحرب الأهلية والاقتتال الداخلي تارة أخرى، وبعد عشرين عاماً، ينسحب الأمريكيون منها تاركين الشعب الأفغاني أسيراً لحركة طالبان والتنظيمات الإرهابية الأخرى (مثل داعش والقاعدة وغيرهما) ولأمراء الحرب، وبهذا ستتحول أفغانستان إلى أكبر حاضنة للإرهاب، وستخرج منها النيران إلى كثير من دول العالم.

يُجمع العديد من المحللين السياسيين على أن خروج أمريكا بهذه الطريقة الهزلية يطرح علامات استفهام كثيرة، بعضها يتعلق بالعلاقة المتأزمة مع روسيا والصين، والبعض الآخر يتعلق بالتكلفة الباهظة التي تحملتها الولايات المتحدة، ومن دون شك هناك أسئلة دون إجابات وصفقات غير معلنة وسرية تكشف عنها الأيام فيما بعد.

إن حركة طالبان- كما هو معروف- تربّت في باكستان، وهاجرت إلى أفغانستان لإقامة دولة خارج التاريخ، ضمت مغامرين ومتطرفين من كل أنحاء العالم، ولهذا يمكن القول إن واشنطن بانسحابها من أفغانستان تركت للعالم وحشاً جديداً، ولم تقم بمحاربة الإرهاب والتطرف هناك كما زعمت، وهناك نقاط لابد من توضيحها في هذا السياق أبرزها:

– أنه منذ عقدين بدأت موازين القوى الدولية في التحول لغير صالح الولايات المتحدة وحلف الناتو، ويبدو أن قدر أفغانستان أن تكون نقطة البداية لانهيار نظام القطبية الدولية والسيطرة المنفردة للولايات المتحدة على القرار الدولي، وقدرها أيضاً أن تكون بداية الانتقال إلى عالم متعدد الأقطاب في النظام الدولي المرتقب والذي بدت ملامحه واضحة المعالم.

– النقطة الثانية أنه رغم فقر أفغانستان وتخلفها، فإن موقعها منحها أهمية استراتيجية في السياسة الدولية، إذ إنها تقع قرب الصين وروسيا، وتلامس حدودها إيران وباكستان، وفيها مضيق (خيبر) الاستراتيجي الذي يربط طريقاً من شرق آسيا إلى غربها، ولهذا كانت موضع اهتمام القوى الكبرى.

إلى جانب أنها تحتوي على معادن ثمينة ونادرة تشكل عناصر حيوية لإنتاج تقنيات الطاقة المتجددة والأسلحة الذكية والطائرات دون طيار، والأقمار الصناعية، والهواتف الذكية والأجهزة الإلكترونية المحمولة والأرضية، ومحركات الطائرات، وعدسات التلسكوب، ومصافي تكرير النفط وصناعة الزجاج وعقاقير الأمراض المستعصية.

وحسب وكالة رويترز أظهرت بيانات هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية أن الولايات المتحدة فقيرة بهذه المعادن وتقنية إنتاجها، علماً بأن الصين تمتلك ثلث احتياطات العالم من المعادن النادرة، وتستحوذ على تصنيعها وتوريدها حتى إلى أمريكا، وكانت هذه المعادن هي السبب الرئيس لتفوق الصين السريع، وكان الهدف الأمريكي الدائم هو السيطرة على هذه الثروة الأفغانية من المعادن وعلى سبيل المثال: قال الرئيس الأمريكي السابق ترامب: (إن حاجة أمريكا من هذه المعادن توجد في أفغانستان والقمر). وقد عقب محلل اقتصادي على ذلك بقوله: (إن الصين ربحت حرباً ضد أمريكا دون أن تطلق طلقة واحدة) ولكن هناك من يعتقد بوجود عقود سرية بين الولايات المتحدة وطالبان لضمان استخراج هذه المعادن، ويرجح ذلك المفاوضات التي استمرت لسنوات بين واشنطن وطالبان في قطر.

نختم بالقول: بعد جائحة كورونا وارتفاع درجات الحرارة والتغير المناخي الذي هز العالم بما صاحبه من حرائق وانهيارات وكوارث إنسانية، بعد كل ذلك يشهد العالم زلزالاً ليس من الطبيعة أو البيئة أو الكوارث الصحية، ولكن من عقول ورثت فكر التطرف والإرهاب والعودة ببلدانها وبلدان أخرى إلى القرون الوسطى، هذه العقول وظفتها الولايات المتحدة وحلفاؤها وعملاؤها لتحقيق أجندة ومصالح خاصة على حساب دماء الشعوب والدول الصغيرة والفقيرة.

 

العدد 1104 - 24/4/2024