الصين تواصل التقدم بثقة وتفاؤل

د. صياح فرحان عزام:

مؤخراً مرت الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني، الذي يبلغ عدد أعضائه حتى هذه الأيام 92 مليون عضو، وهذا العدد يساوي عدد سكان بريطانيا مرّة ونصف المرّة، علماً بأن مثل هذا العدد ليس غريباً في دولة وصل تعداد سكانها إلى مليار و400 مليون نسمة.

لقد كانت الانطلاقة الأولى لهذا الحزب في الأول من شهر تموز عام 1921، ولاشك بأن هذه المسيرة الطويلة تدعو إلى التأمل والدهشة في آن واحد.. لماذا؟

السبب الجوهري الذي يدعو إلى التأمل والدهشة في الوقت نفسه، أن هذا الحزب الذي لا يخفي شيوعيته بين أحزاب العالم، يقود بلداً أصبح اقتصاده هو الاقتصاد الثاني في العالم بعد اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية.

كيف حدث هذا التقدم الاقتصادي الكبير، وكيف لايزال يحدث؟ مثل هذا السؤال يشغل بال حكومات كثيرة على وجه الأرض، وفي المقدمة إدارة الرئيس بايدن، ومن قبلها إدارة الرئيس السابق ترامب، الذي أُقصي عن السلطة وهو متيقن ومقتنع تماماً بأن فيروس كورونا هو صيني في الأساس، حسب ادعائه، ولدرجة أنه كان يسمّيه الفيروس الصيني وليس فيروس كورونا!

كما هو معروف، كانت اليابان، إلى سنوات قليلة مضت، هي صاحبة الاقتصاد الثاني في العالم بعد الاقتصاد الأمريكي، إلا أن الصين أزاحتها عن هذا المكان وشغلته، وهي تفكر وتسعى جاهدة وبدأب منقطع النظير، لأن تحتل مركز الاقتصاد الأول في العالم، لأنها الأجدر بذلك، ومعظم خبراء الاقتصاد في العالم يتوقعون أن يحصل ذلك خلال سنوات قليلة قادمة، كما أن الولايات المتحدة التي تراقب جيداً خطوات الصين، بقلق بالغ، أصبحت تكاد ترى ما يراه خبراء الاقتصاد في هذا الشأن، وإن كان هذا الأمر مزعجاً لها، بل تحوّل إلى هاجس لا يفارق أذهان وعقول ساستها واقتصادييها.. وهي تعمل في الوقت نفسه ليلاً نهاراً وبطرق مختلفة على عرقلة هذا التقدم الصيني ومنعه، وأصبحت تضع الصين في مرتبة الخصم السياسي الأول لها في العالم.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، أثناء الجولة الخارجية الأولى للرئيس الأمريكي بايدن، وحضوره لاجتماعات قمة الدول السبع الصناعية في بريطانيا، واجتماعات قمة حلف الناتو في بروكسل، وقمته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في جنيف، أثناء هذه الجولة كان الهاجس الذي يقلقه ويسيطر على عقله وتحركاته، هو الصعود الصيني الاقتصادي، الذي – حسب اعتقاده- يهدد مركز بلاده بين دول وأمم العالم.

لا أحد يعرف ما الذي سيفعله بايدن في مواجهته للصين منذ الآن حتى نهاية رئاسته في عام 2024 موعد حلول الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ولكن من الواضح أن ممارساته وسياساته منذ أن تسلم الرئاسة رسمياً في العشرين من كانون الثاني من العام الحالي، تشير إلى أنه وضع الصين في مرتبة الخصم الأول لبلاده، وأن هذا الأمر يحتل أولوية في عمله طيلة سنواته الأربع.

بالطبع كان سلفه ترامب قد أمضى سنواته الأربع في البيت الأبيض، وهو يشن حرباً اقتصادية شعواء لا هوادة فيها ضد الصين، فلم تكن هذه الحرب بين البلدين تهدأ قليلاً في بعض الأحيان، إلا لتعود وتشتعل من جديد بمبادرة من واشنطن.. ولكن مع هذا يُجمع العديد من المحللين السياسيين وخبراء الاقتصاد على أن (شعرة معاوية المشهورة) لم تنقطع بينهما، وبمعنى آخر بقيت العلاقات بين مدّ وجزر، ولكنهم يؤكدون في الوقت نفسه أن الصين ماضية في صعودها الاقتصادي والسياسي المتنامي، ومصممة على تحقيق خططها الطموحة غير آبهة بالعراقيل الأمريكية.

وفي الوقت نفسه أكد الرئيس الصيني تشي بينغ في خطاب له في الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني، أن زمن اضطهاد الصين ولّى بلا رجعة، وأن بلاده منفتحة على أي نقد بنّاء من الخارج، إلا أنها ترفض الوعظ الملائكي الغربي المنافق.

وفي سياق الاحتفال بالمئوية، عقدت يوم 6/7/2021 قمة الحزب الشيوعي الصيني والأحزاب السياسية في العالم تحت شعار (من أجل خدمة الشعب.. مسؤولية الأحزاب السياسية)، وذلك بحضور أكثر من 500 قيادي من الأحزاب والمنظمات السياسية من أكثر من 160 دولة، وأكدت مصادر صينية أن هذه القمة تهدف إلى تعزيز التعاون المتبادل للتجارب بين الحزب الشيوعي الصيني والأحزاب الأخرى المشاركة، ومجابهة التحديات المشتركة، ودفع عمليات التنمية والسلام إلى الأمام لما فيه خير البشرية جمعاء.

 

العدد 1104 - 24/4/2024