الحسم الاقتصادي

الدكتور سنان علي ديب:

لكل غاية أفعال معيّنة، ولكل فعل توقيت زمني يحتاج إلى تحقق الشروط لتطبيقه، وذلك يتعلق بالبلد وطبيعته ووضعه وتحدياته، فهذا التوقيت حاجة لدول مستقرة ساعية لزيادة رفاهية مواطنيها، وكذلك لدول منكوبة تسعى لعلاج الانعكاسات الناجمة عما تعرضت له من حروب إرهابية مدمرة أو ضغوط أو عقوبات أو حصار، وكلها خارج نطاق الشرعية الدولية وحقوق الإنسان والمبادئ الإنسانية ولنا عودة لهذه الضغوطات المهم أن الإنسان هو غاية كل تنمية، وهو أداة التنمية، وليس أي إنسان، الإنسان المتعلم العارف المحصن الوطني، وهذه الصفات تجمع المواطنين ليكونوا حصوناً وأسواراً لحماية بلدانهم، وبالتالي اقتناص التوقيت المشعّ بظروف مناسبة هو ذكاء ودهاء وفتح أفق ومقاومة وممانعة لما يحيكه أو يفكر به أعداء الوطن والمواطن.

وأغلب الحروب والمعارك وافتعال الفوضى من الإمبريالية العالمية غايتها نهب الثروات وعرقلة النمو والتنمية، وبالتالي استلاب البلدان ومواطنيها من كل قوة يمكن بها مواجهتهم أو ممانعتهم.

وبالتالي الظروف استثنائية في الأزمات والأدوات كذلك استثنائية، فما يحلل وفق القوانين التشريعات قد يكون تجاوزاً لها في الظروف العادية، وما يغض الطرف عنه يصبح كارثة في الظروف العادية، وما يناسب ظروف الأزمات والكوارث لا يناسب ظروف البناء وما تفرزه الكوارث من انعكاسات تفقيرية للفرد أو للعموم يتأقلم معها، قد ينفد الصبر في المراحل التي يشعر بها هؤلاء أن الموارد متاحة، ولكن الخلل يكمن في اختيار السياسات والاشخاص المسؤولين عن تنفيذها، ودوماً تكون الظروف شماعة ليختبئ خلفها  تجار الأزمات والحروب وصناعها والمبرمجون لاستمرارها، وليستمروا في مشروعهم الشخصي المعرقل لمشروع الدولة في تجاوز الصعاب وترميم الجراح، وغالباً هؤلاء الأقزام اللصوص يكونوا مجهزين كجسر للتدمير وخلق البنى لتنفيذ مشاريعهم من قبل الإعلان عن الحرب القذرة، ويستمروا خلالها لمنع تجاوزها أو تجاوز انعكاساتها، ولن نبعد بضرب الأمثلة التي شعر بها كل سوري يملك الإحساس بالوطن والمسؤولية، من عرقلة قوانين أو تشويه تنفيذها أو تقزيمها أو تقوية موازيات تصغر فعلها، ولن نخوض بالعمق، ولكن نورد أمثلة المرسومين ٣ و٤ اللذين تلاهما تضليل وتصريحات واقتراح سياسات هزت الأجواء النقدية وضاربت على سعر الصرف، ليتمكنوا من تمرير ما برمجوا له، وسط معطيات ظاهرها مقبول وتأثيرها بالسلبية مهول وانعكاساته على المؤشرات تفقد الأمل. صحيح أن تثبيته مفيد وحاجة وضرورة ولكن بسعر موازن مرن متحكم به، ليكون عوننا لتخفيض الأسعار، ولن نخوض بقانون تقييم البيوع على سعرها الحالي، واللجان التي بعبقرية مفرطة سعّرت العقارات بأضعاف سعرها الحقيقي لتكون سنداً لمحتكري البناء ومنظومتهم المتحكمة بكل شيء، من رفع أسعار المواد لتضليل الأسعار لعرقلة وشلل الجمعيات ومؤسسات الدولة، وبالتالي استحالة اقتناء منزل وقد تحول من الحلم إلى الاستحالة، وليس آخراً المرسوم رقم ٨ لحماية المستهلك وتخفيض الأسعار، والذي نيم بعد تطبيل وتزمير ورمي التهم من الوزارة المختصة بأن هناك وزارات أخرى مسؤولة عن رفع الأسعار.

كل هذه رؤوس أقلام لما يجري، وأدواتها ما زالت تستمر بعملها لاستمرار أملها بالاغتناء وبث الفوضى ومنع المحاسبة وتطبيق القوانين، وتسخير القوانين وما نملكه من موارد وإمكانات لفئة معينة انتقلت من الخصخصة المبطنة قبل الحرب إلى محاولة إعلانها حالياً، بعد أن ساند الإرهاب أحلامها بتدمير المدن والمعامل ومنابع الطاقة والأخضر واليابس، وبعد الخلاص من تحويل المشافي إلى هيئات، فإن العيون تتجه لأبنية التعليم وغيرها من الأملاك الحكومية التي نظنها أملاكاً للشعب، وكل ذلك وفق انتصارات حققها الجيش ومن ورائه شعب صامد مؤمن معتز بكرامته وانتمائه، وسط حسم المعركة ضد الإرهاب العسكري والسياسي والوطني، وينتظر هؤلاء الحسم الاقتصادي الذي هو بيضة القبان وبوصلة الغد، والأمل الذي أجمع عليه أغلب الشعب فعملوا من أجله ولعنوان واحد العدالة الاجتماعية، في الوفرة والحرمان، وسط عرقلة واضحة من أدوات أفعوانية وإن بدلت جلدها ولكنها ظلت تملك سموماً خلف أنيابها، ولو أنهم يتظاهرون بأنهم الحمل الوديع ومسارعين للتصفيق والدبك و…الخ.

العدالة الاجتماعية والوصول لها بحاجة إلى تعاون الجميع ومشاركاتهم، وهي عنوان الخلاص لما بعد طوفان الأحقاد وفرض سلوكيات، وهي المهدّئ لآلام نواتج الحصار والعقوبات، وهي أس مواجهة منظومة لصوص المضاربة على الدولار ورفع الأسعار، ولكن من دون حسم العنوان وفرض أجندة وطنية واضحة الأهداف وما تحتاج من كفاءات وشخصيات، فلن تتحقق ولن تعالج الأزمات.

لقد آن الأوان للحسم الاقتصادي وفق أجندة واضحة تحدد الغايات وكيفية الوصول إليها ومواجهة من يعرقل بأي وسيلة، وهؤلاء المعرقلون إن لم يعرّوا ويواجهوا فلن تتحقق الغايات.

مهد الحسم العسكري ضد الإرهاب وأدواته والحسم السياسي والثقافي والديني كل الطرق للسير بالحسم الاقتصادي، الذي هو جسر تحصين الوطن والمواطن وعلاج الآلام، والكل يرى أشعة الشمس وراء غيوم العرقلة، فهل سيكون الحسم الاقتصادي هو الكاشف لتنشر الشمس أشعتها المعتدلة على كل الوطن ولكل المواطنين.

من يرى الإجماع السوري ومحبة السوريين لوطنهم لا يخشى أحداً ولا يتوانى عن الضرب بيد من حديد وفرض البرامج التي ترطب الأرض المتصحرة بأمطار نظيفة.

 

العدد 1104 - 24/4/2024