مؤشرات جديدة إلى تغيير قواعد الاشتباك بين محور المقاومة والكيان الصهيوني

محمد علي شعبان:

يبدو أن حلم الإدارات الأمريكية المتعاقبة، بتشكيل شرق أوسط جديد، في طريقه للتحقق، لكن ليس كما أرادت السيدة كونداليزا رايس ومن يفكر على طريقتها من صقور الإدارة الأمريكية وجزء كبير من الليبراليين الجدد، في الوطن العربي، والعالم.

نعم، لقد بدأت تتشكل، في عدة بلدان، المداميك الأولى لولادة شرق أوسط جديد، لكن كما يريده خصوم أمريكا ومنافسوها، ولن يكون للولايات المتحدة الأمريكية حصة الأسد، كما كانوا يعتقدون. وقد لا يكون لها موطئ قدم في المنطقة بعد سنوات قليلة، ما لم تغيّر من سلوكها، كما كانت تقول لبعض الأنظمة العربية.

بعد ثلاثة عقود من التفرد بصنع القرارات والحروب في العالم، أثبتت الوقائع أن الولايات المتحدة الأمريكية غير مؤتمنة، وليس لها حليف، مالم يكن أداة طيعة في يدها تستخدمه متى تشاء، وكيفما تشاء. ولعل أصدقاءها القدامى، والجدد، والمراهنين على دعمها لهم، يعيدون النظر في علاقتهم معها، قبل الشروع باستعداء محيطهم الحيوي، خدمة لأمريكا وحلفائها، مقابل مكاسب، قد تتحول لنقمة فيما لو غادرت أمريكا منطقة الشرق الأوسط، حيث تشير المعطيات أنها ستغادر.

لقد دمرت الولايات المتحدة العديد من البلدان، خلال العقود الثلاثة الماضية، وساعدت في خلق النزاعات وقيام الحروب الأهلية، وقسمت بعض البلدان، وأسست لتقسيم البعض الآخر، بحجة نشر الديمقراطية، التي تعني، بالمنظور الأمريكي، انتقال البلدان إلى التحالف مع أمريكا بالمستوى الذي تريده حليفتها إسرائيل، وقطع العلاقات مع محور المقاومة، ومعاداة إيران وحزب الله اللبناني، باعتبارهما يشكلان الخطر الأكبر على الكيان الصهيوني.

بعد تراجع معظم الدول العربية عن حلم تحرير فلسطين والأراضي المحتلة، وقبولهم بتسوية مذلّة على شاكلة كامب ديفيد، وأوسلو، ووادي عربة، نحن الآن على مشارف ولادة شرق أوسط جديد تؤسس له قوى المقاومة، منذ بداية القرن الحالي، حين فرضت على القوات الاسرائيلية الانسحاب مجبرة من الجنوب اللبناني، مروراً بحرب تموز 2006 الذي جعل قادة الكيان الصهيوني، وحلفاءهم من أوربيين وعرب، في حالة يرثى لها، فقد اعترفوا جميعهم بالهزيمة، ورافقهم بذلك عدد كبير من دعاة التطبيع في الوطن العربي.

لقد حققت المقاومة اللبنانية وبعض الفصائل الفلسطينية إنجازات هامة خلال العقود الثلاثة الماضية، بعد أن كشفت عدم جدية النظام العربي بتحرير فلسطين، وتواطؤ بعض الحكام مع الكيان الغاصب، وأسست لعقيدة جديدة في المنطقة والعالم، تؤكد أن المحتل والغاصب لا يمكن ردعه إلا بالمقاومة، بروحية ونهج المقاومة اللبنانية، التي حققت عدة انتصارات في لبنان، وها هي الآن تحقق انتصارات ساحقة في الميدان العراقي واليمني، وبدأت خطواتها الأولى في الجزيرة السورية.

يمكننا القول: إن الخطر الحقيقي على الكيان الصهيوني وحلفائه، قد دخل مرحلة جديدة، سترسم معالم المستقبل في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة بعد انطلاق الصاروخ الذي وصل إلى منطقة قريبة من مفاعل ديمونة، وفشل الدفاعات الجوية الإسرائيلية وما يطلق عليه القبة الحديدية، في اعتراضه أو إسقاطه.

وأهم ما يميز هذا الصاروخ أنه منتج محلي وليس استيراداً، سواء كان منتجاً في سورية أو في إيران، أو في بلد من البلدان التي تقاوم المشروع الصهيوأمريكي.

لقد دخلت منطقة الشرق الأوسط مرحلة جديدة بعد أن امتلكت أدوات وتقنيات صناعة الصواريخ المتطورة، في غزة ولبنان، وسورية واليمن.

بالتأكيد هناك صعوبات وعقبات جديدة ظهرت بعد تشكيل الناتو العربي، لكن تجاوزها ليس صعباً، وخاصة أن كل الشعوب العربية تحلم بانتصار المقاومة وهزيمة المحتل، بمعزل عن رغبة حكامها، الذين يسعون لعلاقات متميزة مع الكيان الصهيوني، من أجل الحفاظ على صورتهم المقبولة لدى الإدارة الأمريكية.

والتطورات الميدانية الجديدة التي صنعتها المقاومة في اليمن، بعد أن أعطبت شركة أرامكو، وقصفت العديد من المواقع الهامة في السعودية وعلى الجبهات، وأدخلت التحالف الخليجي في مستنقع لا يحسد عليه، تجعل الصهاينة وحلفاءهم العرب في حالة قلق دائم، بعد اكتشافهم أن الدفاعات الجوية الأمريكية غير قادرة على صد الهجمات الصاروخية، التي أصبحت بمتناول يد المقاومين في معظم البلدان.

وليس أمام أمريكا وحلفائها خيارات لإنقاذ إسرائيل من المستنقع الذي هي فيه.

لذلك لا بدّ لها من تغيير سياستها بالتعاطي مع دول المنطقة، والعمل على إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، والابتعاد عن التدخل بالشؤون الداخلية للبلدان، حفاظاً على مصالحها الاستراتيجية من جهة، وعلى أمن الكيان الصهيوني من جهة ثانية.

إن الصاروخ الذي انطلق من الأراضي السورية، باتجاه النقب، واخترق الدفاعات الجوية الاسرائيلية، حمل العديد من الرسائل، ليس للكيان الصهيوني وحسب، إنما أبلغ رسائل عدة لجهات متعددة، في منطقة الشرق الأوسط، أن جميع مصالح الدول غير المرغوب فيها في منطقة الشرق الأوسط، هي في حالة خطر،

ولا يمكن إنقاذها إلا بتغيير السياسات المعهودة لتلك البلدان، التي أثبتت خلال عقود من الزمن أنها تفعل عكس ما تدعي، وأنها المسؤولة عن العديد من الصراعات والحروب في بلداننا. وليس أمامها الآن سوى خيار الاعتراف بالوقائع الجديدة التي تقتضي احترام حق الشعوب في تقرير مستقبلها بعيداً عن تدخلاتها السافرة في صغائر الأمور.

كما يجب على شعوب ودول منطقة الشرق الأوسط التفكير جديّاً بالتطورات الجديدة التي تقتضي من بعض الدول الامتناع عن الاستقواء بالأجنبي والاعتماد عليه في تثبيت وتقوية الصراعات التي تعيد البلدان إلى عهود سابقة من التخلف والانحطاط، والعمل على تعزيز علاقات حسن الجوار والتعاون بين جميع دول المنطقة والمساهمة في خلق شرق أوسط جديد، كما تريده شعوب المنطقة، وليس كما تريد الإمبريالية وحلفاؤها من الدول الاستعمارية.

إن جميع المهتمين بالشأن العام في منطقة الشرق الأوسط يدركون أن الأطماع الاستعمارية التي تنتهجها بريطانيا وفرنسا وأمريكا منذ عدة قرون، في منطقتنا، هي التي منعت دول المنطقة من التوجه شرقاً حيث امتدادها الحيوي والاستراتيجي. ولا خيار أمام شعوب المنطقة إلا بالتوجه شرقاً، وإقامة علاقات اقتصادية، وسياسية، وفكرية تلغي الآثار السلبية لحقبة تاريخية سوداء من تاريخ المنطقة، كان للإمبريالية ومن يدور في فلكها دور تدميري لمقدراتها ولنسيجها الوطني خلال قرون من الزمن.

ولا يمكن تحقيق ذلك بالتمنيات والرغبات والدعاء، بل بالعمل الجاد لتحرير طاقات النخب الاجتماعية والسياسية والفكرية والعلمية، لتعمل معاً دون إعاقات، من أجل وضع خارطة عمل وآليات جديدة تنقل هذه البلدان مجتمعة من الحالة الراهنة، إلى حالة أفضل أسوة بالبلدان التي سبقتنا باعتمادها على طاقتها الوطنية والعمل على تنميتها، وازدهارها.

 

العدد 1104 - 24/4/2024