إرادة لا تقهر

طلال الإمام_ ستوكهولم:

يجمع المراقبون على أن القضية الفلسطينية دخلت في الأيام الأخيرة منعطفاً جديداً يحمل في طياته العديد من المعاني والدروس التي يجب استخلاصها من أجل متابعة طريق تحقيق أماني الفلسطينيين. ما هو الجديد؟

أولاً_ عادت المسألة الفلسطينية بقوة وزخم إلى الساحتين العربية والدولية، وهو ما عبّرت عنه التظاهرات الشعبية التي جابت مختلف عواصم ومدن العالم تأييداً للحق الفلسطيني وإدانة لجرائم الاحتلال.

ثانياً_ وجّه انخراط فلسطينيي 48 في الانتفاضة الجديدة ضربة معنوية موجعة للكيان وهزة لم يفق منها بعد، ستحدث تداعيات داخلية كثيرة. فقد حاول الاحتلال على امتداد أكثر من سبعين عاماً تكريس صورة مزعومة حول مجتمع داخلي متجانس، وأنه (واحة ديمقراطية)، وأن فلسطينيي 48 نسوا قضيتهم واندمجوا في الكيان الجديد. فجاءه ردٌّ صاعق يفنّد ادعاءاته.

ثالثاً_ أظهر التعاطف والتحرك الواسع الذي أبداه الشارع العربي خصوصاً مع الفلسطينيين كل الفلسطينيين داخل 48 وخارجها أن جميع محاولات التطبيع التي بدأت بكامب ديفيد ووادي عربة إلى صفقة القرن وهرولة دول الخليج للتطبيع ليس لها عمق جماهيري، وهي سلوك أنظمة لا تمثل شعوبها.

رابعاً_ أفرزت الانتفاضة الجديدة وانضمام مدن وبلدات 48 إليها وجوها شابة تعرف قضيتها، ولا تشبه أبداً بعض القيادات الفلسطينية (الهرمة) المهرولة وراء سراب التطبيع وتقديم تنازلات مجانية. شباب وصبايا بعمر الورد برزوا في مختلف وسائل الإعلام بشكل لافت للنظر: انفتاح فكري ووضوح الهدف وإرادة صوانية. هناك من ذكر أن بعض القيادات الفلسطينية الحالية لاتمثلنا.. وشاب آخر قال: حاول الاحتلال على امتداد عقود أسرلتنا لكنه فشل. نشعر يومياً بالظلم والتمييز ونقتلع من بيوتنا وأراضينا لإقامة مستوطنات).

خامساً_ إن انخراط دماء شابة جديدة يعطي صورة أخرى مغايرة لمساعي البعض إضفاء صبغة دينية أو طائفية على الانتفاضة. إن اختصار القضية الفلسطينية بالقدس فقط، على أهميتها المعنوية، يمكن استخدامه من قبل الخصم لتصوير المسألة دينية فقط.. كما أن ترديد شعارات دينية، كما يحدث أحياناً في بعض التظاهرات، يُفقد النضال الفلسطيني مضمونه الإنساني التحرري. كلنا لاحظنا أن من ظهر على مختلف وسائل الإعلام من شباب وصبايا فلسطينيي 48 كان خطابهم وطنياً رغم أنهم ينتمون لمختلف الأديان، لكن تجمعهم فلسطين.

سادساً_ أدت المواجهات التي تشهدها مختلف المناطق الفلسطينية إلى صدمة لسلطات الاحتلال، وستكون تداعياتها كبيرة على جميع المستويات السياسية، الاقتصادية والمجتمعية بل وحتى الفكرية لناحية شعار (من النيل إلى الفرات).

سابعاً_ دون شك، ليس ثمة توازن اقتصادي ولا عسكري أو حتى دولي رسمي بين الاحتلال والانتفاضة، لكن المؤكد أن المال والسلاح يقف عاجزاً أمام إرادة الشعوب التواقة نحو التحرر.

إن مجمل ما ذُكر آنفاً لا يعني البتة أن المعركة سهلة، وأن تحقيق الأهداف بات قريباً. الفلسطينيون يواجهون بصدور عارية محتلاً يقتل، يشرّد، يدمّر بدم بارد، وسط صمت مريب للمجتمع الدولي بل وتأييد بعض البلدان للجرائم، تحت حجة (الدفاع عن النفس) أو تصوير ما يجري على أنه حرب بين جيشين متكافئين وليس بين جيش مدجج حتى أسنانه وصدور عارية.

صحيح أن التحركات والتظاهرات التي تجري في مختلف البلدان الأوربية والعالمية جيدة ومفيدة ويجب الاستفادة منها، غير أنها ليست قادرة تماماً على التأثير في قرارات ومواقف حكوماتها تجاه ما يجري في فلسطين. ثمة آلة دعائية كبيرة تملك إمكانيات مادية ضخمة تعمل ليل نهار على غسل الأدمغة، مثلاً عبر تصوير أن الصراع ديني وليس قضية تحرر من محتل. إضافة إلى أن الظروف المحلية العربية والدولية التي تجري فيها الانتفاضة صعبة ومعقدة للغاية. إن تحقيق بعض الأهداف المرحلية ليس بالأمر المستحيل، وهذا يتطلب قيادة فلسطينية موحدة تستثمر الانتفاضة الجديدة بشكل جيد، مع الاستفادة من موازين القوى الدولية الجديدة والصاعدة، ومتابعة التحركات الجماهيرية التضامنية لصالح القضية الفلسطينية.

إن من غير المبرر الإفراط في التفاؤل وفي الوقت ذاته يجب عدم الوقوع في اليأس وسيطرة الروح الانهزامية. يمكن ويجب الاستفادة من التعاطف الشعبي العالمي وتحويله إلى قوة في وجه جرائم الاحتلال.

بكلمة يمكن القول إن القضية الفلسطينية العادلة دخلت مرحلة جديدة لابد من استثمارها من أجل تحقيق أماني الشعب الفلسطيني بمساعدة أصدقائه وحلفائه وهم كثر.

السلاح لن يقهر إرادة الشعوب.

العدد 1104 - 24/4/2024