بلا عنوان

رمضان إبراهيم:

الصباح يأخذ بواكير شهيقه، والشمس تصعد درج قبة السماء بكل دفء، والعصافير التي أطلقت ألحاناً متنوعة تنتقل بين الاشجار دون أن تحسب حساباً لأحد.

جلس هناك وأطلق العنان لخياله محاولاً أن يخرج من الدائرة الضيقة التي يشعر بها منذ مدة.

لا أنت حبيبي ولا ربينا سوا

قصتنا الغريبة شلّعها الهوا

وصرت عنك غريبة انساني يا حبيبي.

أخذته كلمات الأغنية في كل الاتجاهات، وحضرت إلى ذاكرته مجموعة من الأسئلة الصعبة والمواقف الأصعب، وبدأ في تخيل فصول قصته التي يعيش تفاصيلها لحظة لحظة.

على الشجرة القريبة منه زوج من العصافير ينتقلان بخفة ورشاقة بحركات جميلة ويطلقان ألحاناً عجيبة.

حدق إلى الأعلى وبدأ ينتقل بنظره بين أغصانها، فعثر على عش للعصافير.

في الحقيقة كان العش على ما يبدو في مراحله النهائية، إذ تكفّل العصفوران بحمل القش والاعشاب اليابسة إليه، وفكر للحظة كم استغرق بناء العش ولماذا تم اختيار هذه الشجرة وهذا الغصن بالذات.

عادت إلى مخيلته عشرات الاسئلة والاستفسارات، لكنه في كل مرة كان يصل إلى طريق مسدود دون أن يستطيع اختراق الجدار،

أو القفز من فوقه للوصول إلى الجهة الأخرى، عله يعثر فيها على حلول وإجابات شافية.

في الجهة المقابلة للنهر كانت هناك تمشي بخفة أمام قطيع من الأغنام وهي تغني:

أنا مش سودا بس الليل سوّدني بجناحو

مرقوا الخيالة عالخيل تركوني وراحوا.

عادت الأفكار الغريبة تلطم مخيلته بكل ما فيها من قسوة وقلق وتذكر الرياح العاتية التي حطمت إحدى نوافذ بيتهم القديم ذات شتاء قاس، وتذكّر والده ووالدته وذاك البيت الذي كان يعني له الكون بكل ما فيه، وكيف تركه الجميع وتفرقوا، فنهشته رياح الفراق والغربة.

الصبية التي ابتعدت في الضفة المقابلة كان صدى صوتها يتردد عبر المساحات الضيقة في ذاك الوادي.

نهض متثاقلاً ومشى عبر الطريق الذي تحاصره شجيرات البلوط والسنديان، محاولاً إيجاد الحلول لقصته التي شلّعها الهواء ذات شتاء عابر.

 

العدد 1105 - 01/5/2024