الخطوة السعودية باتجاه سورية وإيران خطوة واعدة من أجل شرق أوسط جديد تزول فيه الهيمنة الأمريكية تدريجياً

محمد علي شعبان:

رغم قناعتي الشديدة، بأهمية الخطوة التي قامت بها القيادة السعودية، وضرورتها بشأن فتح العلاقة مع سورية، من أجل عودة سورية للجامعة العربية، وتحسين العلاقات العربية –العربية، وتزامنها مع إطلاق حوار مع السلطات الإيرانية على الأراضي العراقية، إلا أنني أشعر بقلق شديد، كمن ينتظر مولوداً في بداية الحمل، معرّض لعدة مخاطر.

إن خطوة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، التي جاءت من غير مقدمات تثير الريبة والتساؤل. فهل كانت فكرة سعودية خالصة، أو جاءت نتيجة لطلب أمريكي؟! أرجو أن تستكمل بالاتجاه نفسه والروحية التي نرجوها لها، لعلها تحرك المياه الراكدة، في حياة الشعوب العربية، التي ابتعدت عن قضاياها الأساسية، خلال الفترة السابقة التي أعقبت اتفاقية كامب ديفيد.

نعم، لقد دخلت منطقة الشرق الأوسط مرحلة جديدة من التحالفات والاصطفافات، بعد عودة الولايات المتحدة الأمريكية للحوار مع إيران، وانعكاس ذلك على العديد من الملفات في منطقة الشرق الأوسط، التي شغلت العالم لعدة قرون من الزمن.

إن التحالفات الجديدة تحمل في طياتها مستقبلاً جديداً للمنطقة التي تحكمت في مصيرها الدول الاستعمارية لقرون من الزمن.

فهل ستتخلى أمريكا، وبريطانيا، وفرنسا، بشكل طوعي، عن دورها التاريخي التدخلي في شؤون المنطقة، اقتصادياً وسياسياً؟

بالتأكيد لن تتخلى تلك الدول عن المكتسبات التي حصلت عليها خلال قرون من الزمن، لولا أن معطيات جديدة حصلت خلال العقد السابق.

فقد تنامت القدرة الصينية الاقتصادية والعسكرية، بالتزامن مع الدور المحوري الذي قام به الاتحاد الروسي في العديد من الأماكن.

إن التطور اللافت لروسيا والصين جعل الإدارة الأمريكية ومن يتحالف معها في حالة قلق وعدم استقرار، ولهذه الأسباب أقدمت الولايات المتحدة الأمريكية على تكتيك خاص، تتخلى فيه تلك الدول عن مكاسب، دفعت من أجلها الكثير خلال العقود الطويلة الماضية.

منذ تسعينيات القرن الماضي حين كانت الإدارة الأمريكية مشغولة بترتيب منطقة الشرق الأوسط كما تقتضي مصالحها، لكنها لم تنجح، لأسباب عديدة لا مجال لذكرها الآن.

بيد أن المؤشرات تقول: إن الصين والاتحاد الروسي مع الجمهورية الاسلامية الإيرانية يسعون لبناء شرق أوسط جديد ليس للإدارة الأمريكية موطئ قدم فيه.

هذا التحالف شكل حالة قلق شديدة للإدارة الأمريكية. لذلك تسعى بشكل دائم لخلق تناقضات بين الروس والإيرانيين في أكثر من مكان، بهدف إبعاد إيران عن روسيا وافتعال خلافات بينهما مستخدمة لغة الترغيب تارةً، والترهيب والعقوبات تارةً اخرى.  لكنها لم تنجح.

لذلك نستنتج: أن النشاط السعودي في هذه الأيام باتجاه تحسين العلاقات في الإقليم هو رغبة أمريكية في المقام الأول، تهدف إلى تحسين العلاقات مع الجمهورية الاسلامية الإيرانية. يهدف إلى منع القوى الثلاث من تشكيل تحالف يجعل الإدارة الأمريكية هدفاً له. لذلك نلاحظ اصرار الإدارة الأمريكية على تقديم تنازلات بشأن الملف النووي الإيراني، حتى ولو أغضبت حليفتها إسرائيل.

إن خوف الإدارة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط من الجمهورية الإسلامية الإيرانية، باعتبارها تشكل العمق الاستراتيجي لمعظم دول إقليم الشرق الأوسط، كما تشكل الممر الاقتصادي والحيوي للمنتجات الصينية، وخاصة بعد الاتفاقيات التي وقعت مع الصين، إضافة إلى موقعها الاستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط، حيث جميع الأهداف الأمريكية والبريطانية والفرنسية الموجودة في الإقليم تقع تحت مرمى الدفاعات الإيرانية، إضافة إلى نفوذها في العراق وسورية ولبنان، الذي يجعل الكيان الصهيوني في حالة رعب دائم. وظهر ذلك بعد إطلاق الصاروخ الذي كشف هشاشة الدفاع الجوي الإسرائيلي، ووصل إلى القرب من مفاعل ديمونا.

فهل يقبل الإيرانيون بسلة من المنافع الاقتصادية والحيوية تقدمها أمريكا لإيران وإطلاق يدها في منطقة الخليج العربي؟

هذا ما ستجيب عنه الأيام والشهور القادمة، رغم أنني أستبعد هذه الصفقة. وأعتقد أن الحوار القائم بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية من جهة، والمملكة العربية السعودية من جهة ثانية، سيفضي إلى نتائج ليست من مصلحة الإدارة الأمريكية، باعتبار أن الطرفين المتخاصمين اللذين تجمعهما العديد من الملفات في المنطقة، سيسعيان إلى تخفيف الصراع فيما بينهما، وحل مشكلة اليمن التي تؤرق القيادة السعودية.

وليس غريباً أن يساهم الحوار السعودي الإيراني في تأسيس لشرق أوسط جديد كما تريده شعوب المنطقة، وليس كما تريده الإدارة الأمريكية وحليفتها إسرائيل، بعد أن اكتشفت المملكة العربية السعودية أن الدفاعات الجوية الأمريكية غير قادرة على حماية منشأتها الاقتصادية، فيما لو استمر اليمنيون في قصفها، وان العلاقة السعودية الأمريكية دائماً لصالح الإدارة الأمريكية. فالحوار السعودي الإيراني ينهي العديد من الملفات العالقة التي أقلقت المملكة خلال نصف العقد السابق.

 

العدد 1104 - 24/4/2024