الرفيقة أنجيلا ديفيس

عبد الرزاق دحنون:

في نهاية سبعينات القرن العشرين وفي أحد أعداد مجلة (المجلة) التي كانت تصدر بعدة لغات من جمهورية ألمانيا الديمقراطية، حمل العدد في داخله (بوستراً) منفصلاً، مغفل الاسم، هدية لقراء المجلة في نسختها العربية، هو عبارة عن صورة لامرأة سوداء جميلة بشعر مجعد كثيف يُميّزها عن الخلق. بعد أن علَّقت الصورة على جدار غرفتي إلى جانب العديد من الصور الأخرى: تشي جيفارا، فيدل كاسترو، هو شي منه، ريجيس دوبريه، بابلو نيرودا، فيكتور جارا، لويس أرغون، ناظم حكمت. تساءلت يومذاك: من تكون هذه المرأة السوداء؟ نعم، علَّقتُ الصورة على الجدار قبل أن أعرف من تكون. عرفتُ فيما بعد بأن اسمها أنجيلا ديفيس، ناشطة سياسية، ومؤلفة، وأستاذة جامعية، وقيادية في الحزب الشيوعي الأمريكي، وكانت خلال الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين رمزاً لحركة تحرّر السود. ولدت في بيرمنغهام بولاية ألباما يوم 26 كانون الثاني 1944 وهي البكر لعائلة لا بأس بمستواها الاجتماعي.

كان أبواها معلمين، ثم اشتريا وشغَّلا محطة خدمة. انتقلت العائلة عندما كانت في الرابعة إلى خارج مجمع السود، فتبعتها عوائل أخرى ما أثار حفيظة عوائل البيض، فأخذوا يرسمون خطاً فاصلاً بين السود والبيض، ويحاولون ردّ السود على أعقابهم برمي القنابل على منازلهم، فسُمّيت المنطقة ديناميت هيل.

في عام 1968 انضمت إلى الحزب الشيوعي، وأيضاً إلى حركة الفهود السود، وعملتْ في أحد فروعهم في لوس أنجلوس، وكانت مسؤولة عن التثقيف السياسي، قررت القيادة في الحزب الشيوعي الأمريكي أن أعضاء الفهود السود لا يمكن لهم أن يرتبطوا بمنظمات أو أحزاب أخرى، لذلك اختارت البقاء في الحزب الشيوعي، لكن لم تتوقف عن مساعدة الفهود السود ودعمهم، وعندما ذهبت للسجن كانوا قوة كبيرة في الدفاع عن حريتها.

في فيلم وثائقي يتحدث عن حركة الفهود السود، كان هناك مشهد مؤثر يسأل فيه أحد الصحفيين ما إذا كانت أنجيلا ديفيس تؤيد العنف، أجابت: أتسألني أنا عن العنف؟ هذا ليس منطقياً، هذا السؤال كان الأجدر به أن يوجّه إلى المؤسسات التي احتوت العنف ودعمته بكل أشكاله كالجيش والشرطة والسجون.

نشأت أنجيلا ديفيس في جنوب الولايات المتحدة حيث سمحت الحكومة للمنظمات العنصريَّة بالقيام بتعديات إرهابية تجاه المجتمع الأسود، كانت وقتذاك في السجن بعد أن اتُهمتْ بالقتل والخطف والمؤامرة، تحولت بذلك إلى هدف لمؤسسات العنف، ومن ثمّ يتم سؤالها في إذا ما كانت تؤيد العنف أم لا؟ عجيب. العنف لم يكن هدفاً في المقام الأول، بل سعت لقضايا حيوية مهمة كصنع ظروف حياة أفضل للناس الفقراء.

تابعت أنجيلا ديفيس القول في جوابها عن سؤال الصحفي: أؤمن أنه من الممكن العيش في مجتمع بلا سجون، وقد تكون الفكرة ملائمة للمستقبل في مجتمع متبدل حيث القوة الدافعة فيه هي حاجات الناس وليست الأرباح، في الوقت نفسه فكرة إلغاء السجون الآن مستحيلة، لأن إيديولوجية تدعيم السجون مغروسة بعمق في جذور عالمنا المعاصر، هناك عدد كبير من الناس خلف القضبان. السجون استخدمت كاستراتيجية لمحاربة الانحراف الناتج عن العنصرية، الفقر، العطالة، الأمية، هذه المشاكل لم تعالج حتى يتم سجن من ارتكب جريمة بسببها، إنها مسألة وقت حتى يدرك الناس أن السجون ليست حلاً، الجهود المبذولة في دعوى وقف الإعدام يمكن ويجب أن تحدث في مجال المطالبة بالمساواة بالتعليم وإتاحة فرص وظيفية بلا عنصرية وتوفير عناية مجانية للصحة وأيضاً قد تساهم في صنع حركات نهضوية.

من خلال تجربتها كامرأة سوداء وشيوعية لم تنقطع المواجهات بينها وبين مختلف أشكال القمع التي تشكل مجتمعاتنا. إن مسيرتها سواء في العمل الفكرية أو النضال السياسي تظل مشغولة بهذا السؤال: ما هي الحرية؟ تؤكد أنجيلا ديفيس التزامها المعروف، وتركز على تناقضات مجتمع يهتف باسم الحرية في الوقت الذي فيه يرسخ القمع ضد النساء والطبقة العاملة.

تساعدنا أنجيلا ديفيس على توسيع أفق فهمنا للحرية، وبالنتيجة توسيع ميدان معاركنا.

العدد 1102 - 03/4/2024