بيان صادر عن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في اتحاد الشباب الديمقراطي العالمي (وفدي) في ذكرى النكبة الفلسطينية والأحداث الراهنة:

أسمِع العالم صوتك، أسقِط أقنعة الحريات الرأسمالية، اقتحم الكون بأفكارك، برصاصك، بحجارتك، بزجاجاتك الحارقة، بكل ما يسمح له واقعك وما تراه في خدمة قضيتك!

اليوم انتصر الشعب الفلسطيني بالفعل، فقد سقطت صفقة القرن المزعومة إلى الأبد، بعدما ظنّت الإدارة الأمريكية وأداتها الصهيونية أن بإمكانهم تقطيع أوصال فلسطين ونقل عاصمة الكيان إلى القدس وضم المستوطنات وتأمين أمنها وخنق غزة وإخضاع سكان ٤٨ وصولاً إلى ضم الجولان وغور الأردن.

صمود أبناء القدس وانتفاضة ٤٨ والضفة والمواجهة البطولية من غزة أسقطت خلال أيام ما خططوا له لسنوات. نتيجة لوحدة نضال كل الشعب الفلسطيني، صارت اللدّ وحيفا والناصرة وعكا داخل ٤٨ عنواناً للمواجهة وصار همّ الكيان حفظ أمنه (الداخلي) قبل التفكير بالانقضاض على باقي المناطق.

التضحيات كبيرة والخسائر موجعة، لكن المكاسب السياسيّة المحقّقة هائلة، وتفتح مستقبلاً ذا أفق واعد للنضال الوطني الفلسطيني. هذا النّضال الّذي بدأ من القدس في محاولات إخراج الفلسطينيين من عين الجراح، لبّت نداءه غزّة كعادتِها منتصرةً لجراح المقدسيين، فكانت صواريخها الّتي أطلقتها على مستعمرات الصهاينة، وكان دماء شهدائها وآلام جرحاها ثمن مقاومتها.

ليست النكبة الفعلية وليدة ٧٣ سنة من ذكرى النكبة الفلسطينية، بل تاريخها فعليّاً يعود إلى ما يزيد عن قرن إثر قيام الحركة الصهيونية، وتبعها نكبات متلاحقة تمثّل أبرزها بطرد الشعب الفلسطيني من بيته وأرضه ووطنه لصالح إقامة الكيان الصهيوني، وبالمجازر والفظائع المتكرّرة التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني بحقّ الشعب الفلسطيني، وتمثلت بمواصلته لسياسة الضم والاستيلاء على الأراضي وخاصة في الأغوار والبحر الميت وسن قوانين قديمة-جديدة بوضع اليد على أملاك الغائبين وأملاك الوقف، واستمرار اعتماد نظام الفصل العنصري والهدم والتهجير والتنكيل والقتل والأسر والاستيطان وصفقة القرن.. وذلك ضمن خطة ممنهجة تهدف إلى تعميق سياسات دمج الاحتلال في المنطقة العربية بأسرها، سياسيّاً واقتصاديّاً وثقافيّاً.

ولم تكن لتتمكّن الحركة الصهيونية أساساً من إقامة (الدولة) المزعومة بـ (إسرائيل) لولا دعم القوى الاستعمارية، وبشكل خاص بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، وذلك بعد أن جاءت النكبة كنتيجة لمساعي القوى الاستعمارية للتخلّص من عبء هذه الحركة بالذات، ليصبح تكوين هذا الكيان خدمةً ورأس حربة للمشروع الإمبريالي الغربي، بالاعتماد على القوة العسكرية، والاعتماد على تكيّف معظم السلطات الرجعية العربية التابعة مع السيطرة الإمبريالية التي ضمنت لها البقاء في موقع القيادة الطبقية، إضافة إلى عملية (أوسلو) التي جسّدت التخلّي عن المشروع الوطني الفلسطيني خدمةً للمصالح الصهيونية والأمريكية، إذ لم تأتِ مصالح النخبة الفلسطينية السياسية، كطبقات منتفعة، من خلفية حركة تحرر وطني جذرية، بل كانت مهيّأة وجاهزة للتبعية تحقيقاً لمصالحها من خلال المحافظة على مصالح الاستعمار المتمثل بالنظام الرأسمالي العالمي، وصولاً إلى الاقتصاص من المكافحين في سبيل حركة التحرر الوطني واعتبار قرارات الغرب الرأسمالي المستعمر ومؤسساته الدولية (الرأسمالية) تمثّل الشرعيّة، وأنّها سبيلٌ للتحرّر.

أنتج كل ذلك معاناةً قاسية تكبّدتها الفئات الكادحة من الشعوب العربية، وتمثّلت بالخطر المحدق بها على الصعد المختلفة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والانسانية، والتي أتت بفعل النظام الرأسمالي العالمي، ومحاولات تصريف نتائج أزمته على كاهل الشعوب، بشنّه والكيان الصهيوني الحروب وهيمنتهما على مقدرات وثروات الشعوب العربية، وخنوع الأنظمة الرأسمالية التابعة لهما، وصولاً إلى الخطر الذي تواجهه الشعوب الكادحة حاليّاً بسبب خطر جائحة كورونا، والذي استفحل خطره بسبب النظام الرأسمالي العالمي الاستغلالي نفسه، ويواجهه الشعب الفلسطيني بأقسى مخاطره في ظلّ الاحتلال الصهيوني أيضاً.

كلّ ذلك لم ينهَ الشعب الفلسطيني عن الكفاح، إذ أثبت مراراً قدرته الكفاحية التي لا تفنى ولا تنضب، فابتدع أساليب كفاحية جديدة وبالأخص خلال انتفاضة القدس الأخيرة والمعارك في غزة والأحداث التي شهدتها مناطق الداخل، وفي رفضه لما يُسمّى بصفقة القرن التي أعلن عنها الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية كما إسقاط اتفاق أوسلو مراراً.

وعليه، يهم المنظمات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في اتحاد الشباب الديمقراطي العالمي (WFDY) أن تعلن الآتي:

– تؤكّد تضامنها الكامل مع انتفاضة الشّعب الفلسطيني كما تجدّد موقفها الثابت تجاه حق الشعب الفلسطيني في الكفاح ضد العدو الصهيوني، الذي هو جزءٌ من الكفاح العالمي ضدّ الإمبريالية، إذ إنّ آلية التحرّر من هذا الكيان الصهيوني الغاصب هي آلية للتحرر أيضاً من الإمبريالية، ولا سبيل للفصل بين الاثنين. وتؤكد مجدّداً حق العودة للشعب الفلسطيني.

-تدعو المنظّمات اليساريّة والشيوعية والاشتراكية للعمل نحو تحقيق أنظمة معادية للامبرياليّة تكون داعمة للشعوب المضطهدة وعلى رأسها الشعب الفلسطيني وقضيته ضد الاحتلال الصهيوني.

–  تعلن تضامنها مع الشعوب الكادحة عموماً والشعب الفلسطيني بشكل خاص في وجه النظام الرأسمالي العالمي والكيان الصهيوني.

–  تحيي كفاح الحركة الأسيرة في معتقلات العدو الصهيوني.

–  تدعو إلى بلورة سياسات وطنية بديلة تفرض العدالة الاجتماعية واقعاً، آخذةً بعين الاعتبار معادلات تراجع النظام الرأسمالي والاستفادة من تناقضات هذا النظام بما يخدم الشعوب.

–  تجدّد إدانة كل أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني بما فيها تطبيع الدول العربية الخانعة الذي تسارع في الآونة الأخيرة. وتثمن جهود كل حركات المقاطعة، ولا سيّما مقاطعة البضائع الداعمة للكيان الصهيوني.

–  تدين كل الجرائم والحروب التي يشنّها الاحتلال الصهيوني والإمبريالية العالمية بالوكالة مع الرجعيات العربية والتي تفرض ظلماً لا حصر له بحقّ الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة بأسرها، بما فيها العدوان المتكرر على سورية ولبنان واليمن والعراق وليبيا واحتلال الجولان ومزارع شبعا.

وأخيراً تحيّي المنظمات الشباب الفلسطيني الثائر وتؤكّد أهمية تعميق الثقافة المقاوِمة والمناهضة للاحتلال، ومواصلة النضال إلى جانب الطبقة العاملة الكادحة في البلدان العربية والعالم الذي يشكّل مدخلاً لمواجهة الأنظمة الرأسمالية التابعة للإمبريالية، عبر بلورة دور وطني مستقل حمايةً لحقوق الشعوب المكتسبة وتحقيقاً للعدالة الاجتماعية.

وللشعب الفلسطيني المقاوم نقول: ثوروا يا أبناء فلسطين الجريحة على الظلم والطغيان، أسمِعوا صوتكم للعالم أجمع.. ثوروا فلن تخسروا سوى قيدكم والخيمة، فأنتم أصحاب الحق والحق في الوطن سيعود لصاحبه لا محالة، فجذوركم ضاربة فيه كجذور الزيتون ثابتة في الأرض، وباقون نحن هنا كأننا عشرون مستحيل ولم ولن نركع يوماً، وسنعيش أحراراً أو نموت كالأشجار وقوفاً، وانتفاضتكم حتماً ستنتصر.

العدد 1105 - 01/5/2024