الوعود الصعبة المؤجل

د. سنان علي ديب:

كثيرة هي الأمور التي اعتاد عليها المواطن، ومنها الأزمات الناجمة عن الخنق والعقوبات والاختناقات وفوضى الأسعار وطوفان فئة دائمة المزايا والتمايز عن الآخرين من عامة الشعب، والكل مؤمن بأن البلد يمر بوقت عصيب تكالبت عليه قوى التآمر الإمبريالي العالمي وأدواتها المنتشرة بكل البقع الجغرافيا ومنها بلدنا، وما نراه مضاربات وهمية على الصرف، تحول إلى واقع برفع الأسعار وتسعير بعض المواد مرتبطة بما سميناه وهمي، ومن ضمن ما اعتدنا عليه وأوصل حالة عدم الثقة بين أغلب المواطنين وأغلب المسؤولين هي التصريحات والخطابات الرنانة صعبة التحقيق أو البعيدة عن الواقع مع جهل الأغلبية للهدف والغاية منها.

وكلنا سمع ربط حادثة قناة السويس بموضوع الاختناق النفطي والأزمة الكبيرة التي لم تصل لما وصلت إليه، وحلت أزمة القناة ولم تحل، فالموضوع أعمق من منع سفينة، وإن وصل الحصار والخنق وسرقة منابع واحتلال وضغوط، كذلك ضمن سياق تصريحات واقعية لوزارة المالية بخصوص التهرب الضريبي وأدواته وحجمه وغيرها من التصريحات وآخرها تصريحات حول قانون البيوع العقارية وتبرير إقراره، وهو حق وواجب ضمن سياق القوانين الوضعية، وحسب حاجة البلد ووصلت المضاربات على العقارات إلى مستوى كبير فاق حدود التضخم، وبالتالي بحاجة لتنظيم هذا القطاع بمعزل عن آثاره وانعكاساته ومظلومية البعض والإعفاءات للبعض، ولكن هذه جزئيات يجب أن تكون قابلة للتصحيح بعد وضع القانون موضع التطبيق، فالقوانين بالمحصلة تتغير مع تغيرات المجتمع وحاجاته، وهي يجب أن تكون لتحقق العدالة الوطنية بأشمل محتواها والعدالة الضريبية جزئية منها، ومن ضمن تصريحات الوزارة الوعد بزيادة الأجور والرواتب من الآن ولغاية رمضان، وهذا التصريح غايوي ولكن لماذا؟ وما الفائدة منه؟ وهل هو تخديري للهروب من موضوع أكثر فاعلية وحاجة، وهو كبح التضخم الناجم عن فساد يكرس سعر صرف مضارب وهمي غايته ضرب البلد وإرهاب شعبها لتمرير أجندات لم ولن يقبل بها، وأي زيادة للأجور تغطي الفجوة الخيالية بين تكاليف المعيشة ومتوسط الدخل، وأي زيادة لن تخدم الهدف لأننا تعودنا في حالات مماثلة على رفع الأسعار بأضعاف.

كانت المنح وزيادة بعض التعويضات حلولاً جزئية حركت السوق، ولكن الانتظار لحلول عبر نهج اقتصادي متكامل، فكلنا يعرف أن في الحروب القرارات استثنائية، وبالتالي ليست قاعدة أو مسلمة أن ارتفاع الاسعار نهائي في ظل ظروف خنق وفساد وحصار وعقوبات، وفي ظل كورونا الذي اشتد تأثيره وفاعليته، وكلنا فوجئنا بعد حجم الانتشار والوفيات والأزمات وحجم الفقر لماذا الابتعاد عن حظر محدود المدة جدواه الاقتصادية والإنسانية أكبر مما نتصور.

زيادة الأجور ضمن الظروف والمؤشرات الكلية لن تفيد، والبوصلة لكبح التضخم وتدخل الحكومة وبالأدوات التي تحقق الغاية.

تمرير القانون صحيح ولكن كحالة قابلة للتغيير بعد التجريب.

وكل تصريح يجب أن يكون في سياق خدمة الوطن والمواطن وفي سياق استعادة الثقة المفقودة.

العدد 1104 - 24/4/2024