سعر الصرف

د. عامر خربوطلي:

لكل دولة عملتها الخاصة وتستعملها في عمليات الدفع الداخلية، وتظهر الضرورة إلى استعمال العملات الأجنبية عندما تقوم علاقات تجارية أو مالية بين شركات تعمل داخل الدولة مع شركات تعمل خارجها، وتحتاج الشركات المستوردة إلى عملة البلد المصدر لتسديد قيمة السلع المستوردة، وتضطر بذلك إلى الذهاب إلى سوق الصرف لشراء عملة البلد المصدر كي تتم هذه العملية. وفي الواقع ليست الشركات التي تقوم بالتجارة مع الخارج هي فقط التي تحتاج إلى العملات الدولية، بل كل شخص يتنقل إلى خارج البلد الذي يقيم فيه يحتاج إلى عملة الدولة التي يودّ الذهاب إليها، ولو كان سائحاً، ويجد نفسه حينئذٍ مضطراً للقيام بعمليات الصرف.

سعر الصرف ببساطة هو النسبة التي يحصل على أساسها مبادلة النقد الأجنبي بالنقد الوطني، وهو عدد الوحدات النقدية التي تبدل به وحدة من العملة المحلية إلى أخرى أجنبية، وهو وسيلة هامة للتأثير على تخصيص الموارد بين القطاعات الاقتصادية، وعلى ربحية الصناعات التصديرية وتكلفة الموارد المستوردة.

وهو أخيراً أداة ربط بين أسعار السلع في الاقتصاد المحلي وأسعارها في السوق العالمي، فالسعر العالمي والسعر المحلي للسلعة مرتبطان من خلال سعر الصرف.

عرف نظام الصرف عدة تطورات بدأت من قاعدة الذهب وانتهت اليوم إلى النظام العائم. كان نظام بريتون وودز يقوم على أساس الدولار الأمريكي المرتبط بالذهب، وكانت الدول ترتبط عملاتها بسعر ثابت من الدولار، إلا أن الأمر سرعان ما تغير بعد إعلان الرئيس نيكسون في 1971 منع تحويل الدولار إلى ذهب، ومثل هذا الإعلان في نظر الكثيرين انهيار نظام بريتيون وودز، ومن ذلك الوقت عرف نظام الصرف نمطين أساسيين:

أنظمة الصرف الثابتة: وفيه يتم تثبيت سعر صرف العملة إما إلى عملة واحدة تتميز بمواصفات معينة كالقوة والاستقرار، وإما إلى سلة عملات انطلاقاً من عملات الشركاء التجاريين الأساسيين أو العملات المكونة لوحدة حقوق السحب الخاصة.

أنظمة الصرف المرنة: تتميز بمرونتها وقابليتها للتعديل على أساس بعض المعايير مثل المؤشرات الاقتصادية، وقد تتبع الدولة نظام التعويم المدار، فتقوم السلطات بتعديل أسعار صرفها بتواتر على أساس مستوى الاحتياطي لديها من العملات الأجنبية والذهب وميزان المدفوعات، أو تستخدم التعويم الحر الذي يسمح لقيمة العملات أن تتغير صعوداً وهبوطاً حسب السوق، وهذا النظام يسمح للسياسات الاقتصادية بالتحرر من قيود سعر الصرف.

أما سوق الصرف فهو مكان تلاقي عروض مختلف العملات وطلباتها، ومن خلاله يتم تحديد سعر صرف العملة الوطنية مقابل العملات الأخرى، وهو أيضاً الوعاء الذي تتم فيه كل الصفقات العالمية. وأسواق الصرف غير محددة بمكان بل تتوزع على كل المراكز المالية عبر الشبكات المعلوماتية والبنوك والمؤسسات المالية.

ما يهمّنا في هذا العرض الوصفي العلمي ما يمكن أن نلاحظه على أرض الواقع لأسعار الصرف في سورية من تذبذب سريع للأسعار واتجاهها الصعودي السريع أيضاً، واتساع حجم الفجوة ما بين السعر الرسمي المحدد والأسعار المتداولة في الأسواق غير النظامية، والتي لا يمكن التكهن بصحتها ومدى مواكبتها للطلب والعرض الحقيقي للقطع الأجنبي، ومدة تداخل هذا السعر مع عوامل المضاربة والتحوط والتخوف، ومدى تعبير هذا السعر عن قدرات الاقتصاد السوري.

وتتعالى الأصوات بين الحين والآخر لتعويم سعر الصرف أو الاستمرار بتخفيض العملة لتشجيع الصادرات، وهذا يحتاج إلى شروط وعوامل عديدة قابلة للنقاش، ومن أهمها:

1. أن يتسم الطلب الخارجي على المنتجات السورية بقدر كبير من المرونة بحيث يؤدي تخفيض العملة إلى زيادة أكبر في الإنتاج.

2. أن يتسم العرض المحلي لسلع التصدير بقدر كاف من المرونة بحيث يستجيب الجهاز الإنتاجي المحلي لارتفاع الطلب الناجم عن ارتفاع الصادرات.

3. ضرورة توفر استقرار في الأسعار المحلية للسلع والخدمات وعدم خضوعها لتراكمات الكتلة النقدية.

4. عدم قيام الدول المنافسة الأخرى بإجراءات مماثلة لتخفيض عملاتها.

5. استجابة السلع المصدرة لمواصفات الجودة والمعايير الصحية الضرورية للتصدير.

6. التيقن من وجود احتياطيات جيدة من القطع الأجنبي بصورة رسمية أو لدى الأفراد بدافع الاكتناز والتحوط.

أخيراً من الصعوبة دوماً التكهن بالاتجاه التصاعدي أو الهبوطي لأسعار الصرف تجاه العملة المحلية إلا أن ذلك يتوقف على الأطراف الأساسية في سوق الصرف، وهم بالدرجة الأولى البنك المركزي والمصارف التجارية والمؤسسات المالية، وأخيراً المضاربون في الأسواق غير النظامية وهي مفتوحة لاحتمالات غير محددة، ولكن ينبغي أن تظل ضمن هامش منطقي يعتمد على مكامن قوة الاقتصاد السوري وقدراته التصديرية وثقة الأفراد بالعملة المحلية أولاً وأخيراً.

العدد 1104 - 24/4/2024