لولا عشوائية رفع الأسعار ما تأثّرنا بوهمي الدولار

الدكتور سنان علي ديب:

كان التأثير الأخير للمضاربة على سعر الصرف ذا وقع كبير، انعكس هيجاناً فيسبوكياً وخوفاً وطنياً شعبياً، وزاد معاناة شعب صامد وصبور تضاعفت عليه آثار العقوبات الظالمة الحاقدة والحصار المطبق لغايات كثيرة وأجندات لاوطنية لا تتشابه مع طموح وأهداف وتمنيات أغلب الشعب الوطني سواء بالداخل السوري أو خارجه، ولم يكن هذا التأثير وليد الظروف الآنية، وإنما هو تراكمي لثغرات وسلوكيات وبرامج ومخططات دقيقة ظنت أنها وصلت إلى مبتغاها، ولكنها بدأت بالاصطدام بروادع لا بد أن تنال من سوداوية غاياتها.

بعد كل هزّة تُعقد اجتماعات ومراسلات ومحللين ومنظرين. والأغلبية إما غايتها الظهور بأي ثمن ومهما كانت نتائج هذا الظهور، أو تفرّد وفهمانية الأمور بكل شيء، والأغلبية تبعد عن أسباب المعاناة بحسن نية أو سوء نية لمراضاة البعض أو لجهل، أو ضمن سياق التضليل لعدم التصدي لهذا البركان المخيف.

وكلنا يعلم أنه لا يمكن أن يكون العلاج صحيحاً وفعالاً ما لم نشخص المرض بشكل صحيح، ومدى انتشاره العميق والأفقي، ودائماً الجاهل أو من يدعي الجهل يهرول للمسكنات.

من أول الحرب القذرة كانت السياسات النقدية تعاكس تيار الانتصارات والصمود، وكانت سياسات الإنفاق والاستيراد لا تراعي أجندات ترشيد لمخازين استراتيجية، وكلنا يتذكر هبات سعر الصرف والتصدي لها عندما كانت أدوات المضاربين ولواحقهم جنينية، فوصل إلى ١١٠ ليرات في عز الطلب عليه والهجرة، وعاد إلى٨٠ ليرة ومن بعد كل انتصار مضاربات لتقويض الانتصارات، فوصل إلى مستوى ٣٣٠ ليرة، وبعد الضغوط على المركزي عاد إلى مستوى الـ ١١٠ ليرات. ولكن قرارات المركزي أعادت رفعه فوصل إلى ٦٦٠ ليرة ومن ثم يتسارع هبوطاً لمستوى ٣٧٠ ليرة وسط محاولة المضاربين كسر جدار الصمود وإفقاد الثقة بالليرة، التي هي من ركائز الصمود الوطني، ولكنهم كانوا يفشلون وسط محاولة نشر فوضى مزامنة لأسعار ترفع دون رادع أو قيد وسط تغاضي المؤسسات المختصة ووسط التغاضي عن ربط السعر الوهمي بسعر الذهب، ولكن غالباً الفشل بتكريس سعر مقنع، وكان للقرارين ٣و ٤ والتشدد الأمني بمكافحة ما سمّي سوقاً سوداء أو التجفيف العلني لسوقنا، إضافةً إلى كورونا التي لم تكن رحمةً بسبب إغلاق الحدود والبلاد الذي لم ينعكس على سعر الصرف إيجاباً وإنما رفع سعر الصرف بالمركزي على مرحلتين ٧٥٠ ومن ثم ١٢٥٦، بحجج التحويلات وإضعاف غير النظامي منها، ولم يتحقق المطلوب وإنما انعكس تضخماً على المواد ومنها الوقود.

واستمرّ قطار الإرهاب الاقتصادي بثالوثية مخيفة مضاربات لغايات مختلفة أغلبها من خارج الحدود مترافقاً مع إعلام مضلل من صفحات التواصل، وتضخيم أسعار بلا روادع وسعر الذهب المكرس وسط ضعف التصدي لهذا القطار.

وباختصار كانت الأسبوع الماضي المضاربة الأكبر وقفز بسوقهم الإرهابية حوالي ألف ليرة بأسبوع ورفع موازي وأكبر للأسعار، وسط خوف وذهول الشعب لغلاء رفع تكاليف المعيشة أضعافاً مضاعفة، في ظل محدودية المداخيل وعادت التنظيرات بتشكيل هيئات اقتصادية.

وسط تساؤلات عن مهمة ودور وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بضبط الأسعار والتدخل الإيجابي كقائدة للسوق ومانعة للاحتكار، وعن ضرورة ربط الذهب بسعر لا نعترف بها، وعن دور الإعلام في مواجهة التضليل وتعريتهم، وعن قوة تجار المواد من كبيرهم لصغيرهم، وعن توهين الدولة والمواطن والتغاضي عنهم. وعن ضرورة الإسراع والتكاتف لحلول سورية سورية تخفف من قوة إرهابهم بكل أشكاله.

اللعب على نفسية المواطن ومحاولة تحطيمها وبث اليأس كان سلاحاً من أول المضاربات، ولولا رفع الأسعار لم نشعر بما سمي سعر الدولار.

ويبقى السؤال: كيف نعالج مريض قلب بالسيتامول؟ وكيف نعالج بالاقتصاد مرضاً بنيوياً أسبابه وتداعياته أغلبها غير اقتصادية. الملف وطني أمني وعلاجه ضمن هذا الإطار.

وللمتصيدين: من المؤكد نتكلم عن أزمة آنية خطيرة مفصلية ولا نتكلم عن استراتيجية لعودة الاقتصاد والنمو والتنمية.

كلنا يعلم الاحتياطي من العملات لفترات كهذه.

وأن قوة الاقتصاد عبر الاكتفاء الذاتي أو التصدير لاستيراد المواد أي عبر الإنتاج ليتوازن ميزان القطع، ويساعد مخزون الذهب.

ولكن يبقى السؤال: في ظل قوانين نقدية بناءة كآخر قانون، وفي ظل التعافي الزراعي والحيواني، وفي ظل العقوبات والحصار ورغماً عن تحجيم التحويلات، ما مدى الحاجة للدولار؟

وماذا بعد حرق الأراضي ..وقتل قطعان الخراف، والإرهاب الخطير بسعر الصرف.

الملف متكامل ولن تسمح مصالح الدول بحلّه كما نريد،

فإما أن نتعاون ونتفانى لحله، أو سننال المزيد من الإرهاب والرهاب والترهيب.

العدد 1102 - 03/4/2024