العالم يشهد صعوداً متنامياً لليمين المتطرف!

د. صياح عزام:

لا شك في أن أعمال الشغب التي حصلت في مبنى الكابيتول الأمريكي، في السادس من شهر كانون الثاني من العام الجاري، لها خلفياتها ودلالاتها، وفي مقدمة ذلك أن اليمين المتطرف في العالم أصبح يشكل تهديداً حقيقياً للأمن والاستقرار العالميين.. لذلك فإن دول العالم بحاجة إلى العمل معاً، وبما في ذلك المنظمات متعددة الأطراف، لبناء تحالف حقيقي وفعال لمكافحة نمو ظاهرة التطرف اليميني وانتشارها، على ألا يكون هذا التحالف المنشود على غرار التحالف الذي أنشأته الولايات المتحدة الأمريكية تحت شعار محاربة الإرهاب، والذي لم يحد من ظاهرة الإرهاب، بل استثمر فيها ومن خلالها، لتوسيع الهيمنة على الدول والشعوب الصغيرة ونهب ثرواتها.

وإذا ما عدنا قليلاً إلى الوراء وتحديداً إلى ما بعد هجمات الحادي عشر من أيلول عام 2001 وما تلاها من أحداث وتطورات، نجد هذا التهديد الجديد والمتمثل في اليمين الشعبوي المتطرف الذي نما من خلال منصات التواصل الاجتماعي وغرف الدردشة مع تباطؤ ملحوظ ومتعمد من قبل أمريكا والدول الغربية الحليفة لها في التعامل مع هذا التهديد الجديد وضرورة مواجهته، وليس الهجوم المميت في مدينة كرايستشيرش بينوزيلندا في عام 2019 الذي نفذه إرهابي يميني متطرف وأدى إلى قتل أكثر من خمسين شخصاً في مسجدين، هو الوحيد في هذا المجال، ذلك أن الجماعات اليمينية المتطرفة في أوربا، نمت بشكل لافت للنظر بتشجيع ودعم من قبل بعض ساسة الغرب، بذريعة تزايد الهجرة من الدول الإسلامية إلى دول الاتحاد الأوربي، وارتكبت جرائم أخرى.

وعلى مدار العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ازداد انتشار إيديولوجية اليمين المتطرف، وتغلغلت أفكاره ودعواته المنغلقة في نسيج المجتمعات الغربية (في الولايات المتحدة والدول الأوربية)، وكذلك داخل الأحزاب السياسية وأوساط السياسيين.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، في عام 2010 أعرب فيكتور أوريان (رئيس وزراء المجر) خلال فترة حكمه عن أفكار ووجهات نظر مناهضة للاجئين والمهاجرين، وخاصة منهم العرب والمسلمين، مدعياً أن ثقافات غربية وجماعات أخرى وخاصة المسلمين، أصبحت تشكل تهديداً للحضارة الأوربية ولحياة الأوربيين والغرب عامة!

أيضاً في البرازيل أظهر صعود جايير بوس سونارو إلى مقعد الرئاسة في الفترة 2018-2019 كيف استمرت وازدهرت الأفكار اليمينية المتطرفة، وخلال حملته دعا (بول سونارو) إلى إعادة البرازيل إلى ما أسماه (مجدها السابق) من خلال التحريض على تنفيذ هجمات على الأقليات والمهاجرين وعلى المؤسسات التي ترعاهم، وعلى النشطاء وأحزاب المعارضة، الأمر الذي هيّأ الأجواء المواتية لمضاعفة جرائم اليمين المتطرف داخل البرازيل.

إذاً، يتضح أنه جرى التعامل مع عمليات اليمين المتطرف باعتبارها حوادث معزولة وضيقة وفردية وليست كظاهرة خطيرة ومتطورة عالمياً، بل أكثر من ذلك، فقد لاقت تلك العمليات دعماً وتشجيعاً من قبل السلطات الحاكمة بشكل علني أو خفي أحياناً في العديد من الدول الغربية وغيرها.

ثم جاءت عملية اقتحام الكونغرس الأمريكي كما أشرنا في بداية الحديث، والتي وصفها محللون ومراقبون سياسيون بأنها جسدت أعلى أشكال التوحش والهمجية والتطرف، جاءت بتحريض مباشر وعلني من قبل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، إذ إنها حصيلة لأعماله التي قام بها منذ بداية ولايته، وكثفها في الآونة الأخيرة، خاصة مع بداية انتخابات الرئاسة الأمريكية، أملاً منه في الحصول على ولاية رئاسية ثانية تحت شعارات (أمريكا أولاً) و(أمريكا العظمى)، وادعاءاته حول ما أسماه (العرق الأبيض المتفوق) وأخطار الهجرة والمهاجرين والأجانب، لاسيما العرب والمسلمون منهم، على مستقبل أمريكا وأبنائها حسب تصوره.

الآن، لدى الإدارة الأمريكية الجديدة بزعامة الرئيس المنتخب (بايدن) إذا كانت جادة فعلاً في التصدي لليمين المتطرف في الداخل الأمريكي وخارجه، لديها فرصة مواتية لتعقب مرتكبي أعمال الشغب في الكابيتول من جهة، ومحاسبتهم، والأهم محاسبة الرئيس السابق ترامب لأنه المسؤول الأول عن الاقتحام، وعن تشجيع ظاهرة التطرف في بلاده وفي أنحاء العالم من جهة أخرى، بحيث لا يُسمح له بالعودة إلى الحياة السياسية مستقبلاً.

أخيراً إن مفتاح مكافحة ظاهرة الإرهاب هو التخلي عن الاستثمار فيه، والتعاون مع الدول والحكومات، خاصة منها التي تعاني من هذه الظاهرة والاستفادة من تجاربها في مكافحة الإرهاب، مع العلم أن محاربة اليمين المتطرف لن تكون سهلة أيضاً، لأن أحزاباً سياسياً غربية وزعماء سياسيين قد أدرجوا عناصر هذا اليمين في برامجهم وتوجهاتهم.

العدد 1104 - 24/4/2024