هل يتنبه الحكام العرب إلى ضرورة التوجه شرقاً، في لحظة التحولات قبل فوات الأوان؟!

محمد علي شعبان:

لأول مرة في التاريخ يجري انتقال السلطة الأمريكية، من إدارة إلى إدارة في أجواء مشحونة ومتوتر ومنقسمة بين طرفين متناقضين.

 هذا الشكل من الانقسام للشعب الأمريكي هو انقسام بين خيارين سياسيين متناقضين في العديد من الملفات. وهذا يستدعي تغييرات جوهرية في سياسة الإدارة الجديدة، غير مرغوب فيها من قبل مؤيدي إدارة دونالد ترامب الذي مازال مصرّاً على اعتقاده بتزوير الانتخابات.

رغم أن هذا الانقسام الذي يقتضي تكتيكات خاصة، من قبل خصوم أمريكا، في المقام الأول، وحلفائها في المقام الثاني. إلا أن الأنظمة العربية، على اختلاف مواقفها من المرشح الجمهوري، أو المرشح الديمقراطي، تتسابق للركوب بقطار الإدارة الجديدة، رغم أن البعض منها يعرف أنه سيخسر جزءاً من امتيازاته، عما كان في عهد الإدارة السابقة.

المؤسف أن غالبية حكام الدول العربية، يحاولون الحصول على شرعية حكمهم من أمريكا قبل أن تنال الشرعية من شعوبها.

والمؤسف أيضاً أنه رغم المتغيرات الدولية التي تشير إلى أن الإدارة الأمريكية ليست كسابق عهدها، كما كانت في العقود الثلاثة السابقة. إلا أنها مازالت قبلة غالبية الزعماء العرب.  

لماذا يصر حكام الدول العربية على علاقة متميزة مع الإدارة الأمريكية، ولا يهتمون بعلاقات حسن جوار فيما بينهم ومع بعضهم؟!

معظم الباحثين والمفكرين في العالم يستشعرون تغييرات حقيقية قد تحصل على سياسة الولايات المتحدة في العديد من الملفات، بعدما فتح الرئيس دونالد ترامب عدة أوراق ليس بمقدوره الخلاص منها.

يترافق ذلك مع تحديات جديدة، داخلية وخارجية.  

إضافة إلى التناقضات القائمة بين الحزب الديمقراطي، والحزب الجمهوري، في العديد من الملفات. ظهرت تحديات فايروس كورونا وما يترتب عليه، ويعتبر من التحديات القاسية لدولة عظمى كالولايات المتحدة الأمريكية، ما دامت لم تتمكن من السيطرة عليه، إذا أثبتت براءتها من الاتهامات والإشاعات حول تصنيع الفايروس واستغلاله، لأغراض خاصة.

هذان التحديان يمكن التغلب عليهما، لو كانت الأمور كما في السابق.

قبل الظهور الصيني على المسرح العالمي، وقوته الاقتصادية والتقنية والعسكرية، وثقله السياسي، الذي لم يجامل يوماً نهج الإدارة الأمريكية المتسلط والمتعجرف.

غالبية المحللين يؤكدون أن القطار الصيني قد انطلق، تسانده روسيا، والنمور الآسيوية، والجمهورية الإسلامية الإيرانية،  

وأصبح الصراع بأبعاده المختلفة صراعاً قارياً بين قطبين:

القطب الآسيوي من جهة، والقطب الأمريكي مع حلفائه من القارة الأوربية، من جهة ثانية.

ومن يستطيع أن يضمن أن الدول الأوربية ستقف إلى                                  جانب الولايات المتحدة الأمريكية، وجميع الدلائل تشير وتؤكد أن الحقبة الأمريكية قد انتهت، وبدأ العد التنازلي، وما سيرافق ذلك من تبدلات في المواقف.

رغم المتغيرات التي تحصل مازال الحكام العرب وخاصة الخليجيين منهم يصرون على علاقات تبعية للولايات المتحدة الأمريكية، متجاهلين وقوف الصين تاريخياً إلى جانب الشعوب العربية، ومتجاهلين أن الاتجاه شرقاً بعلاقات اقتصادية، واجتماعية، وسياسية، يعيد للبلدان العربية مجدها الذي مازالوا يتغنون به، دون أن يسألوا عن الأسباب التي جعلت الأمة العربية ضعيفة وهزيلة وتابعة، بعد أن اتجهت غرباً.  

إن العلاقات القائمة بين الدول العربية وأمريكا هي علاقات ليست متكافئة، وليست ندية، هي علاقات تبعية بكل ما تحمل الكلمة من معنى.

إن حكام الأمة العربية المصرون على علاقات جيدة مع الإدارة الأمريكية وحلفائها، ينفذون الرغبة الغربية بإقامة جدار عازل بين الشرق الأوسط والامتداد الطبيعي والجغرافي والحيوي له. ليتمكن الغرب الإمبريالي من تشديد الحصار والتضييق على الصين وروسيا وإيران. ومنعها من التمدد والتفاعل مع العرب الذين تعتبرهم الإدارة الأمريكية خزانها المالي والنفطي.

إنها الفرصة المناسبة ليعيد الحكام العرب التنبه للتحولات الجديدة على كل الأصعدة، وإعادة التموضع، والعمل الجاد لفتح علاقات جديدة، اقتصادية وسياسية وعسكرية، مع الصين ومن يتحالف معها.

إن أي تأخير في اتخاذ إجراء كهذا ينعكس سلباً على الجهة التي تتأخر.

من يراقب ما يجري من تراجعات على المسار الأمريكي تجاه التطورات النوعية على المسار الصيني، لن يتردد في الإسراع بفتح علاقات أكثر حيوية وأكثر نشاطاً مع الصين.

فهل سيتنبه الحكام العرب لأهمية اللحظة التاريخية والتقدم للركوب في القطار الصيني، الذي يشكل ملاذا أمناً ويحمي الشعوب من سياسة الاضطهاد والتجبر، التي مارستها الدول الاستعمارية على بلداننا منذ عشرات العقود من الزمن.

العدد 1102 - 03/4/2024