أطفال سورية.. والعين تدمع

صفوان داؤد:

لم تترك الأزمة السورية التي ندخل تقريباً عامها الحادي عشر قطاعاً أو فئة أو مجموعة إلا وتأثرت بها بشكل أو بآخر، وأكثر هذه الفئات تضرراً هم الأطفال السوريون، ممن تعرضوا للموت أو الإعاقة أو اليتم والنزوح، أو الاستغلال الجنسي والزواج المبكر. ووفقاً لمنظمة (إنقاذ الطفولة)، ارتفع عدد الأطفال الذين أصيبوا أو قُتلوا في النزاعات إلى ثلاثة أضعاف خلال العقد الماضي. وخلال الحرب السورية سجلت الطفولة في البلاد الثمن الأكبر مع ازدياد نسبة الأطفال المعاقين نتيجة بتر أحد الأطراف وتفشي الأمراض، على رأسها أمراض الحصبة والتهاب السحايا والليشمانيا، إضافة إلى ارتفاع غير مسبوق في عدد الأطفال السوريين ممن يعانون سوء التغذية نتيجة تآكل قدرة الأسر السورية على تحمّل تكاليف الرعاية الصحية وتأمين الغذاء المناسب. ووفقاً لمؤشر (الضعف الغذائي العالمي) حلت سورية في المركز الرابع من اقتصادات الدول الأكثر عرضة لارتفاع استعار الغذاء ما وضع حوالي 9 ملايين سوري عند خط انعدام الأمن الغذائي. وكانت اليونيسف قد قدرت أن نحو 19 ألف طفل سوري ممن لم يتجاوزوا سن الخامسة عشرة مهددين بالموت بسبب سوء التغذية. وهذا تقرير يضاف إلى تقارير أممية أخرى وثقت أن 89911 طفل تحت سن الخامسة عانوا من نقص تغذية شديد عام 2019، وأن هذا العدد مرشح للازدياد خلال هذا العام إلى نحو 150 ألف طفل. ووثقت (الشبكة السورية لحقوق الإنسان) أن ما لا يقل عن 29375 طفلاً قضوا في النزاع المسلح في سورية منذ آذار 2011 حتى تشرين الثاني الماضي.

إن العمليات الحربية وما يرافقها من تدهور الأوضاع على مختلف الأصعدة لا تترك فقط آثاراً جسدية على الأطفال، إنما أيضاً آثاراً نفسية واضطرابات سلوكية قد ترافقه مدى الحياة، وتقول الدكتورة روزا البهلول (الاختصاصية في علم الاجتماع) إن (‘الأنماط السلوكية التي تقترن معاً أثناء حدوثها يمكن تصنيفها منطقياً وإرجاعها إلى مرحلة معينة فتحددها وتميزها عن غيرها من المراحل). وهذه الأنماط هي منعكسات لا واعية لمشاعر اليأس والإحباط واستسهال العنف، وتدني معايير القيم الانسانية التي عاشوها. وتتابع البهلول: إن من السلوكيات الشائعة صعوبة التركيز، وممارسة سلوكيات لأطفال أصغر سناً، وعدم الرغبة في العودة للمدرسة، العنف وغياب القدوة. وقالت منظمة اليونيسف في تقرير لها إن أكثر من 80% من الأطفال السوريين تأثروا نتيجة الحرب، وأن حوالي مليوني طفل سوري من اللاجئين هم بحاجة إلى دعم نفسي.

ويجب عند الحديث عن أزمة الطفولة في سورية ألّا نُغيب موضوع التعليم لما له من أهمية قصوى وأولية، غير أن الأرقام والإحصائيات تنذر بالسيئ، إذ إن البقاء على قيد الحياة بكل ما للكلمة من معنى قد وضع التعليم في الشطر البعيد من الأولويات. وعلى الموقع الرسمي للأمم المتحدة سلط تقرير بعنوان (‘أطفال سورية محرومون من طفولتهم) الضوء على الواقع المروع للتعليم في هذا البلد، وقال التقرير إن (هناك مراهقون في سن الخامسة عشرة أو السادسة عشرة لا يعرفون القراءة والكتابة)، بعد انقطاع أكثر من 2.1 مليون فتاة وصبي عن ارتياد المدرسة، وحوالي 1.3 مليون آخرين معرضين لخطر التسرب، مع تسجيل واحدة من كل ثلاث مدارس قد دُمرت أو تضررت أو اُستخدمت كملاجئ للنازحين. وبحسب (هيومن رايتس ووتش) يوجد حوالي 1.5 مليون طفل سوري في سن المدرسة في تركيا والأردن ولبنان، لكن نصفهم تقريباً لا يحصلون على تعليم رسمي.

إن هذا الواقع المفرط بالألم يفرض على المجتمع الدولي كما النُخب السورية أن تفكر جدياً بالحلول. ولا يمكن أن ينطلق أي حل دون الوصول إلى الجذر السياسي للمشكلة، من خلال تقوية مؤسسات الدولة السورية القائمة كي تكون قادرة على مواجهة هذه القضية الهامة للغاية؛ الدولة القوية هي الدولة القادرة على تصميم السياسات وسن الأنظمة والقوانين ووضعها موضع التنفيذ كما يقول المنظّر الكبير فوكوياما. ولا يمكن أن تكون الدولة السورية قوية بغياب مبدأ تداول السلطة والشفافية كما هو قائم الآن، يعززها أن الظروف الداخلية والإقليمية والدولية المحيطة بها تجعل تحقيق هذا الهدف صعب المنال في المستقبل القريب.

العدد 1104 - 24/4/2024