الزمن الصعب

الدكتور سنان علي ديب:

الانحدار في سوية المعيشة، من الاكتفاء والرفاهية إلى الندرة والتأمين الجزئي للمتطلبات، لا يمكن أن يستوعب بسهولة من دون منغصات متنوعة سواء على المستوى الفردي والشخصي والأسري أو المجتمعي، ولا تخفف الانعكاسات من تلقاء نفسها أسوة ببعض النظريات التي تصدرت في الغرب لمواجهة مرض كورونا عبر تبني سياسة مناعة القطيع، هذه المناعة التي فقد الآلاف، بسببها، أرواحهم وخاصة من كبار العمر ولم تستطع احتواء المرض، فتوسع أفقياً وعمودياً وازدادت الوفيات والمعاناة. ولكن اللامبالاة في المواجهة تدل على استمرار العقلية نفسها، البعيدة عن الإنسانية والفكر العلمي والمدانة بكل القوانين والشرائع، وكذلك معاناة الانحدار الرفاهي أو في تلبية متطلبات المعيشة وخاصة في زمن كورونا. فهذه اللامبالاة ستزيد من حجم المآسي الاجتماعية، من فقر وجوع وهشاشة نفسية وهروب من الواقع عبر المخدرات والمشروب، وانحدار أكبر للمنظومة القيمية والأخلاقية، ما يعقد المشاكل ويعقد سبل حلها.

إنه الزمن الصعب للجميع، ولكن تعقيد الحل وعرقلته لا علاقة له بالزمن، وإنما باللامبالاة والبعد عن التصدي والمواجهة، وتفضيل المصلحة الكلية على الجزئية، وأخذ خيار التحدي والتوحيد المجتمعي عبر خطاب واقعي شفاف موحد ومواجه لما يخطط له لمزيد من الضغوط التي لا يخجل الغرب البعيد عن الأنسنة عن البوح عنها، وسط تلقي سهل وبرحابة بعيدة عن الاهتمام بالانعكاسات اللاحقة والأبعد من التأثير الفردي إلى التأثير السلبي المجتمعي.

من المؤكد أن العقوبات والحصار قلّلا من توفر المواد ومن سهولة تأمينها، ولكن لا نعرف مدى انعكاس الحصار على فوضى أسعار عارمة، فالكل ينصب على الكل، من أجور النقل إلى سوق سوداء دائمة لمواد البطاقة الذكية المقوننة وحتى ورقة اليانصيب أمل أغلب السوريين دخلت البورصة وبتنظيم علني ووقح، ولا ننسى الابتزاز بإيجار البيوت والمضاربة على سعر العقار وغيرها من فساد قذر دحض فكرة القلب الواحد والهم الواحد، فوجدنا معادلة: أنا أو لا أحد! والاقتناص والاغتصاب هو العنوان. ومظاهر التشرد والتسول والفقر لا تعني كثيرين تآكلت الإنسانية بتآكل القيم والأخلاق وضمور الإيديولوجيات، وهذا قنديل خطر قادم في عالم متأمرك طغت عليه وشوهته منظومة عادات وتقاليد وأفكار العولمة المشوهة الإرهابية الدافعة للأفكار الليبرالية الأمريكية الإرهابية الغرائزية البعيدة عن القيود عبر حرية غير منضبطة ولا مقيدة.

نحن في أصعب الاوقات وفي زمن الصعاب لمواجهة الضباب، وهو زمن تثمين القيم والأخلاق والانتماء الوطني والهوية الوطنية الجامعة، زمن التسامي على الجراح من أجل الوطن، زمن الانصهار بالهوية السورية متجاوزين الطوائف والمذاهب والقوميات والإيديولوجيات والأنانية المفرطة، زمن مواجهة الفاسدين أدوات القتل وإراقة الدم، زمن المراجعات السريعة للالتحاق بالركب السوري الإنساني.

إنه زمن صعب لأننا استسهلنا كلّ شيء واتكلنا على الآخرين!

العدد 1104 - 24/4/2024