ما بين إلى أين؟ ولماذا؟

الدكتور سنان علي ديب:

كثيرة هي الاستفسارات التي وردتنا بعد تخطي ما كان خطاً أحمر ورفع سعره، وتسأل: إلى أين نحن ذاهبون؟ وهو حق طبيعي نظراً لما انعكست عليه السياسات الأخيرة من رفع للأسعار ما أدى لإضعاف القدرة الشرائية للمواطنين، وهو ما توقعناه عندما أخذ رأينا حول المنحة وموضوع زيادة حجم المبلغ المعفى من الضريبة، الذي صرح أحد المسؤولين إنها تشكل زيادة للرواتب لمن هم على رأس عملهم بنسبة جيدة، وكان هذا النوع من السياسات المالية مطلباً لزيادة مخفية قد لا تنعكس تضخماً كبيراً، ولكن الذي حصل أنها جاءت بعد زيادة على الوقود المازوت التجاري وعلى البنزين، وبنسبة تكاد تصل إلى مئة بالمئة،  ستنعكس على كل السلع وسط تعودنا على ترك الأسعار بلا ضوابط، ووسط التصريحات الغائمة، اعترفت وزارة حماية المستهلك بنسب زيادة بين ٣ و٥ بالمئة، علماً أن زيادة أجور النقل لوحظت وخاصة التكاسي وقد وصلت إلى حوالي ١٠٠ بالمئة وسط ضياع الرقيب والمحاسبة.

ويأتي قرار رفع سعر الخبز بحيث قدرت زيادة سعر الكيلو متساوية مع ثمن الكيس الذي ركز عليه القرار، ويكون حجم الزيادة الشهري حسب عدد الأشخاص ما بين ربطة وربطتين وثلاث وأربع بين ١٥٠٠ و٦٠٠٠ ليرة شهرياً إلا إذا كان الشراء من المعتمدين الذين لم يحصلوا على السعر الذي يجب أن يبيعوا به، وكل ذلك بعد سلسلة من التضخيم والتعتيم والطوابير وصعوبة الحصول ونمو السوق السوداء، وأصبحت لقمة الخبز مغموسة بإذلال الكرامة! ويأتي تصريح رئيس الوزراء في اتحاد العمال حول صعوبة تأمين الاقماح والدقيق ولو من مناطق تابعة لنا وهو توصيف صحيح سابق للقرار، والمفاجئ هو تصريحات لاحقة لوزارة حماية المستهلك بالضرب بيد من حديد لمن يتلاعب بالجودة أو يهرب الطحين أو يأخذ الخبز كعلف وكأنهم سابقاً يتغاضون عمن يفعل ذلك.

المهم، إن رفع سعر الخبز مع ما سبقه من رفع أسعار زاد العبء على المواطن وزاد تكاليف المعيشة وسط صعوبة الحصول على الموارد وقصورها نتيجة الضغوطات والعقوبات والحصار وانحصار سابق للتوريد بعدد محدد، ووسط قصور في تدخل المؤسسات المختصة من ناحية الكميات والأسعار وظلت تابعة للمحتكرين وأسعارهم، ولذلك نعود للسؤال: إلى أين؟ الذي كثر توارده على أذهان الشعب، فجوابه كما ذكرنا لماذا؟ وما الغاية وما الهدف؟

لماذا نرفع الأسعار وسط خيار واحد بعيداً عن خيارات أخرى تنعكس على المؤشرات الكلية وتصحح من البيئة العامة الاقتصادية؟

لماذا لم نفعّل الأدوات المالية والنقدية لتصحيح الاختلالات التي نجمت عن سيرورة سعر الصرف منذ ٢٠١٢ لليوم؟ ولماذا قرارات قطعية بين حدين إما السماح بالقروض او إلغائها؟ ولماذا لم نفرض بالقوة إصلاح القطاع العام ليكون جسر الاكتفاء الذاتي أسوة بالثمانينيات؟ ولماذا لم نعطِ فرصاً أكبر لموردين ينافسون للوصول إلى جودة أفضل وأسعار أقلّ؟ ولماذا لم نقتنع بأن دع السوق تنظم نفسها في ظل حرب إرهابية اقتصادية تتزاوج بين الخارج والداخل؟

ولماذا لا نقتنع أن الثواب والعقاب ضرورة كبيرة ولو لم يمض أيام على أي مسؤول؟

مسؤول عن الخبز يصرّح لا أعرف ما هي الحلول.

لماذا الانتظار ولا نعيد الثقة للمواطن؟

لماذا لا نفهمه أن ما نراه آني وسيعاد النظر لاحقاً بكل هذه السياسات؟

لماذا لم نصارحه مثلما تكلم رئيس الوزراء؟

من ضحى بالدماء وبالأجساد سيصبر إن كان الوطن بحاجة وإن وجد الضرب بيد من حديد لأس الفساد.

لماذا لا نسأل أنفسنا: هل كل ما يقدم من رؤى صحيح أو واقعي، أم عدنا لسياسات تضليلية كما سبق ان قدمت بأرقام ساهمت فيما وصلنا إليه قبل الأزمة؟

لماذا لا نعترف أن ضرب الطبقة الوسطى وقلبها رأسا على قلب مبرمج وأن أساس عودتها يتعلق لاحقاً بسياسة منحازة للفقراء والعمال والفلاحين؟

إلى أين.. يجاب عليه عندما كل قرار يتخذ يلحق بجواب لماذا اتخذ؟

إلى أين عندما تعود الثقة للمواطن.

وعندما يوعد بإعادة النظر بقرارات استثنائية في ظروف استثنائية.

العدد 1104 - 24/4/2024