أنقرة مستمرة في إشعال فتائل الحرب!

 د. صياح عزام:

بدايةً، لابد من التذكير بأن أرمينيا وأذربيجان، هما بلدان جاران خرجا من حضن الاتحاد السوفييتي السابق عام 1991 بعد تفكّكه، وحملا معهما إرثاً من الخلاف حول الأراضي تخلّلته سلسلة من الحروب قُبيل انضمامهما إلى الاتحاد السوفييتي (أرمينيا عام 1922 وأذربيجان عام 1921).

في العقد الثاني من القرن العشرين، وقعت سلسلة من الحروب بين البلدين حول مناطق حدودية في كرباخ وناخيتشيفا، لعبت فيها بريطانيا والدولة العثمانية دوراً قذراً في تأجيجها قُبيل انسحابهما من المنطقة. وفي عام 1992 جرت معارك عنيفة بين البلدين انتهت بسيطرة أرمينيا على منطقة كرباخ الجبلية، ورغم توقفها ظلت النار تحت الرماد، لأنهما لم يتوصلا إلى اتفاقية سلام بينهما، لذلك كانت متوقعاً أن تتجدد الاشتباكات في أي وقت، وهو ما حدث عام 2016. وفي شهر تموز الماضي من العام الجاري وقع اشتباك محدود كمؤشر على أن الهدنة هشّة وأن الاشتباكات قد تتجدد في أيّ وقت، وهذا ما حصل مؤخراً وبالتحديد يوم 27/9/2020، إذ اتهم كلٌّ من البلدين جاره بشن عمليات عسكرية في إقليم كرباخ ووقوع قتلى وجرحى بين المدنيين، واستُخدِمت المدفعية والطيران في المعارك.

إذاً، لم كن مفاجئاً تجدد الاشتباكات بينهما، ولكن الجديد في هذه الاشتباكات، أن تركيا طرف فيها، إذ إن أصابع أردوغان التي تعمل عبر عملائها في ليبيا وسورية والعراق بحثاً عن موطئ قدم ونفوذ لها، تمتد إلى القوقاز أيضاً من المنطلق ذاته، وهو الحلم الإمبراطوري العثماني، يوم كانت لتركيا العثمانية صولة وجولة في بلاد القوقاز، ويبدو أن أردوغان السلطان العثماني الجديد لديه استراتيجية وتوجّه واضحان للتعامل مع الملف الأرمني- الأذري من باب الدخول كلاعب رئيسي في الصراع بين الدولتين، علماً بأن أردوغان هو وراء تدبير هذه الهجمات من قبل أذربيجان على أرمينيا، وهناك مؤشرات عديدة على ذلك، منها على سبيل المثال أن أردوغان كما وزير دفاعه (خلوصي أكار)، أكدا مؤخراً دعمهما لأذربيجان، فقد قال أكار خلال زيارته إلى باكو قبل ما يزيد على شهرين بقليل: (إن أذربيجان ليست وحدها، سنواصل دعمنا لها في كفاحها العادل من أجل تحرير أراضيها المحتلة، نحن في تركيا يبلغ عدد سكاننا 83 مليون نسمة، نقف كلنا بجانب إخواننا)، في إشارة إلى الصلة العرقية. وهي تصريحات اعتبرها المراقبون تدخلاً مباشراً في الحرب، خاصة أنها جاءت بعد مناورات عسكرية تركية – أذرية جرت واستمرت لمدة ثلاثة أسابيع.. كما أن صحيفة (واشنطن بوست) نشرت تقريراً مشتركاً مع وكالة بلومبيرغ تحدثت فيه عن تعهد نظام أردوغان بتحديث شامل للجيش الأذري، وتزويده بأنواع جديدة من الصواريخ وأنظمة الدفاع الجوي وأجهزة الحرب الإلكترونية، وذلك بعد الخسائر التي مُني بها في المواجهة مع الجيش الأرمني. كما أن صحيفة (ونزافيسما غازيت) الروسية ذكرت أن تركيا تذهب باتجاه تشييد قاعدة عسكرية في منطقة (ناختشيفيا) بالقرب من الحدود الأذرية، شبيهة بالقواعد العسكرية في قطر وليبيا والصومال والعراق. وهناك معلومات تتحدث عن قيام أنقرة بنقل أكثر من 300 مقاتل إرهابي من إرهابيي سورية التابعين لأردوغان في إدلب إلى أذربيجان من فصيلي (السلطان مراد) و(الحمزات) كدفعة أولى ومقدمة لإرسال المزيد من المرتزقة التابعين لتركيا إلى هناك.

 الخلاصة: إن أنقرة مُصّرة على إشعال فتائل الحرب، في أي مكان تصل إليه أصابعها الخبيثة.

العدد 1104 - 24/4/2024