سورية وشعبها.. لن يخضعا!

كتب رئيس التحرير:

بعد التقدم الكبير الذي أحرزه الجيش السوري في مطاردته لبقايا الإرهابيين، وخاصة تحريره ريف حلب، ودخوله إلى المنطقة الشرقية للوقوف في مواجهة العدوان التركي، واستعادته لمعظم الأرض السورية، توقّع العديد من المتابعين للشأن السوري، أن تتحول هذه الإنجازات إلى أوراق رابحة لدى الجانب الحكومي السوري في أية مفاوضات قادمة، في إطار الجهود الدولية المبذولة لحل الأزمة السورية عبر الطرق السياسية، سواء عبر منصّة (أستانا)، أو أيّ جهد سلمي دولي آخر.

لقد ساندنا حينذاك التوجّه الرسمي نحو إنجاح هذه الجهود السلمية، توفيراً لسفك المزيد من الدم السوري، وللتفرغ بعدها لإعادة إعمار ما خربته يد الإرهاب، بل طالبنا بالمضي حتى النهاية في استغلال فرص الحلول السياسية، انطلاقاً من قناعتنا بأن الحل النهائي للصراع لا يمكن أن يكون عسكرياً، رغم الأهمية القصوى لهذا الجانب في مواجهة القوى المعادية على اختلاف أنواعها ومكوناتها، خاصة بسبب ما تلقاه من دعم غير محدود من القوى الخارجية الإقليمية والدولية المحركة لها؛ إذ لا بد من أجل حسم الصراع لمصلحة الشعب السوري من التوصل أخيراً إلى حل سياسي يضمن استقلال الدولة السورية، ووحدتها أرضاً وشعباً، في مواجهة جميع محاولات التفرقة أو التقسيم على أسس طائفية أو مذهبية أو عرقية، ويضمن أيضاً حق المواطنين السوريين في اختيار نظامهم السياسي وقادتهم، بالاستناد إلى دستور ديمقراطي، وهذا ما أكده المؤتمر الثالث عشر لحزبنا الشيوعي السوري الموحد الذي عُقد أواخر العام المنصرم.

لكننا، في الوقت ذاته، حذّرنا من الوقوع في أوهام الثقة بالسياسة الأمريكية، ونبّهنا إلى خطر مهادنة أردوغان، فتجارب الماضي والحاضر.. لا تدعم وجهة نظر البعض بأن من يوجّه السكاكين إلى صدور السوريين، سيحمل إليهم في يوم ما وردة، وهذا ما يحصل اليوم.

لقد اشتغلت الماكينة السياسية والعسكرية والاقتصادية الأمريكية، بالتعاون مع حليفها التركي، وأمراء الحرب الإقليميين وعملائهم.. والمنتفعين من استمرار الحرب، من أثرياء الحرب في الداخل السوري، على محاولة إجهاض التقدم السوري نحو وضع نقطة النهاية لأزمة السوريين، لكن عبر الضغط السياسي والاقتصادي.. والحصار، بغية الوصول إلى حلول لا تحقق طموحات السوريين، بعد أن عجزوا عن فرضها بالوسائل العسكرية. وقد ساعد، في تضخيم انعكاسات هذه الضغوط على الحياة المعيشية للمواطنين السوريين، سوءُ المعالجات الحكومية، وضيقُ أفق بعض المسؤولين عن إدارة الملفات الملتصقة بحياة الفئات الفقيرة والمتوسطة.

المطلوب اليوم، أمريكياً وصهيونياً وأردوغانياً وأطلسياً، حشرُ بلادنا في الزاوية الضيقة، والتلويح بعد ذلك ببارقة أمل، تمثّل حلاً سياسياً لا يأخذ بالحسبان الثوابت الوطنية التي يجمع عليها أكثرية السوريين، والمتمثلة في:

1-طرد الإرهابيين من كل شبر من الأرض السورية.

2-خروج المحتلّين الأمريكان والأتراك.

3-الحفاظ على سيادة الدولة على جميع الأراضي السورية.

4-وحدة سورية أرضاً وشعباً.

5-ضمان خيارات المواطنين السوريين، وحقوقهم الدستورية والسياسية، دون تدخل خارجي.

6-توافق السوريين على مستقبل بلادهم الديمقراطي.. العلماني، عبر مؤتمر وطني شامل يضمّ جميع الأطياف السورية.

المطلوب وطنياً، اليوم: استيعاب الأهداف المعادية، وحشد الجهود الحكومية والشعبية، لتفويت الفرصة على التحالف الدولي المعادي لسورية، وذلك بتشكيل خليّة حكومية.. أهلية.. شعبية، تسعى إلى تخفيف تأثيرات هذه الضغوط، عبر الاكتفاء الذاتي، ومساعدة الحلفاء، فتدهور الوضع المعيشي للمواطنين السوريين، بعد الارتفاع الجنوني لأسعار جميع المواد الغذائية والضرورية، وسيطرة (هوامير) الاستيراد والأسواق، أصبح ينذر بكوارث اجتماعية وإنسانية.

لكن كلّ جهد وطني مخلص سيصطدم بمصالح هؤلاء الحيتان.. وأثرياء الحرب.. والمنتفعين من استمرار سفك الدماء.. والمتلاعبين بأسعار القطع الأجنبي.. والمحتكرين، لذلك لا بدّ من ضرب هؤلاء أولاً، كي تنجح الجهود المخلصة في تهيئة مستلزمات الصمود السوري.

سورية اليوم تكافح من أجل استمرار وجودها، أما شعبها فكان وما يزال.. وسيبقى عصيّاً على الخضوع، كي يرى بلاده موحّدةً.. عزيزة الجانب.. موفورة الكرامة.

العدد 1104 - 24/4/2024