الأنظمة الغربية المأزومة

د. صياح عزام:

يُجمع العديد من الباحثين والكتّاب على أن جائحة كورونا التي عصفت بالعالم قد أبرزت ضعف الأنظمة الغربية الكبرى وهشاشتها، وبضمن ذلك الولايات المتحدة الأمريكية، وعدم قدرتها على مواجهة هذه الجائحة كما يجب، وظهور حالة الشلل في اقتصاداتها، وحاجتها إلى الصين، من حيث المستلزمات الطبية المصنعة فيها. كما رسخت هذه التحولات اللافتة توقعات كثير من المفكرين الذين تحدثوا منذ سنوات عن ملامح انقلاب غير مسبوق في النظام العالمي والعلاقات الدولية، بسبب دخول قوى عالمية جديدة إلى معترك السياسة الدولية.

كما ترسخ في السياق نفسه ما أكده الباحث براترند بادي في كتابه (ضعف القوة) مع ظهور الولايات المتحدة شبه عاجزة أو منهارة في مواجهة فيروس كورونا الذي أبرز ضعف المنظومة الصحية الأمريكية وتهالكها.

ومن أبرز التحولات الناجمة عن هذه (الجائحة) تراجع سيطرة الغرب على العالم بتسارع، وهو الأمر الذي أكده براترند بادي أيضاً في كتاب له بعنوان (لم نعد وحدنا في العالم.. نظرة مغايرة للنظام الدولي)، الذي يشير إلى أنه على الغرب أن يتوقف عن التمسك بنزعته إلى الهيمنة والنظر إلى الآخرين كبرابرة، كما يوضح بادي في كتابه هذا الذي وجهه للغرب أن العالم دخل مرحلة جديدة من اللانظام الجيوسياسي تهدد بالسقوط في الفوضى، مرحلة أضعفت واشنطن بشكل غير مسبوق، وظهرت فيه قوى اقتصادية وعسكرية عالمية جديدة وقوية من خارج الغرب وثورات ما تسميها الولايات المتحدة بـ(الدول المارقة) ومجموعات إرهابية مسلحة عصيّة على السيطرة عليها، وقادرة على تهديد العالم بأسره.

ويخلص إلى القول: (إن لعبة القوة أصبحت مزكومة، وأن النظام الدولي لم يعد من الممكن التحكم فيه وتسييره من قبل طرف واحد يُقصي الآخرين ويتجاهل العدالة والقوانين الدولية وحقوق الشعوب المظلومة).

ويدعم باحثون آخرون هذا التحليل، منهم بوسكال بونيفاس بحديثه عن جائحة كورونا وما نتج عنها من أزمة صحية عالمية، داعياً إلى نزع الطابع الغربي عن العالم، بعد أن قدمت هذه الجائحة درساً بليغاً، وهو أن الأوبئة لم تعد تمثل شأناً يتعلق بإفريقيا أو بالدول الفقيرة عامة، وأن الدول الغنية خاصة منها الولايات المتحدة والدول الأوربية، ليست بمنأى عن مثل هذه الكوارث الصحية، وأن الغرب أصبح أكثر هشاشة مما كان عليه من قبل، بل فقد بريقه وهيمنته على العالم. ويضيف هذا الباحث أن النظرة الفوقية الاستعلائية للغرب تجاه الآخرين أسهمت في ضعفه وتراجع قوته.

وبالفعل فإن الولايات المتحدة هي الأكثر تمسكاً بالأحادية القطبية، وأنها في عربدة الرئيس ترامب (تدفع بنزعتها الانفرادية المتسلطة إلى حدودها القصوى، من خلال انتقاداتها المتواصلة لأعمال المنظمات الدولية والانسحاب من العديد منها، مثل اتفاق باريس للمناخ، ومن منظمة اليونيسكو، ومن اتفاقيات عسكرية مع روسيا، وأخيراً قيام الرئيس ترامب بانتقاد عمل منظمة الصحة العالمية وتعليق مساهمة بلاده المالية في دعم هذه المنظمة في وقت هي في أمس الحاجة للدعم، لتتمكن من القيام بمسؤولياتها في التصدي لجائحة كورونا التي تهدد العالم بأسره.

وقد شبه العديد من المحللين السياسيين تصرف ترامب هذا تجاه منظمة الصحة العالمية، بأنه شبيه بوقف تمويل ثكنة لرجال المطافئ في أوج اشتعال النيران وتوسعها، وهم على حق في هذا التشبيه، وقد علل ترامب قراره هذا، تارة بأن المنظمة المذكورة منحازة إلى الصين، وتارة أخرى بأنها لم تؤد واجباتها تجاه هذا الفيروس كما يجب (حسب ادعائه).

الخلاصة.. نعود للقول إن النظام الرأسمالي الغربي يعاني من مشاكل كثيرة، وأن تمسكه بالاستعلاء على الدول والشعوب الأخرى هو الذي أدى إلى هذه المشاكل وإلى تراجع دوره كما أوضحت ذلك بجلاء جائحة كورونا.

العدد 1104 - 24/4/2024