فيروس الحصار

ميشيل رايمبو:

ملايين الأشخاص في العالم اليوم حبيسو منازلهم بسبب جائحة كورونا. هذا العدو غير المرئي لكنه موجود في كل مكان، ويتربص بضحاياه. والمواطنون يقبلون قواعد العيش الجديدة من باب الخوف أو الحكمة، لكننا لم نعش في جنات النعيم قبل تفشي الفيروس.

أوربا القديمة التي أصبحت بؤرة الفيروس، أصبحت الحكومات الأوربية تقترح أولويات لإصلاح الضرر، وسيكون من الضروري مراجعة الأفكار المسبقة والتعلم منها.

أمريكا والغرب لم تعد (قلب العالم)، بعدما فقدت زعامتها العالمية وحصنها الفكري والأخلاقي. إذا ذكر البعض (الموت الدماغي) أو (انحطاط الغرب)، فهذه مجرد شذرات، حيث تتجذر القناعة السماوية. تبقى الحقيقة أن حلقة الفيروس التاجي ستدمر بشكل لا يمكن إصلاحه صورة أمريكا، وأوربا، حيث حدد الوباء وجهته. بينما معظم الدول طلبت الدعم من منظمة شنغهاي للتعاون (الصين وروسيا والحلفاء الآسيويون).

وفيما اتهم ترامب الصين بالمسؤولية عن تفشي الوباء، فإن الصين هي الدولة الأولى التي تمكنت من السيطرة على الطاعون المخيف وتلقت تأييداً من بقية العالم، وبناءً على السمعة التي كسبتها بفضل إدارتها، المثالية، للأزمة التي تغلبت عليها، أثبتت جدارتها وقيادتها الجديدة. فقد تُركت إيطاليا وحيدةً ومهجورة على الخط الأمامي على جبهة كورونا من قبل شركائها الأوربيين، وينسحب الأمر على فرنسا التي تضررت بشدة، ولم ترسل أي مساعدات طبية أو لوجستية لحلفائها الأوربيين.

أما روسيا فقد أطلقت عمليات مساعدة وإغاثة، وأرسلت معدات فحص وتطهير إلى إيطاليا عن طريق طائرات الشحن، في حين ترسل قواتها الجوية ثمانية ألوية متنقلة من الأطباء ومئة من علماء الفيروسات وعلماء الأوبئة. كما أعلن معهد موسكو لاختبار كورونا عن إرسال مساعدات طارئة إلى ست عشرة دولة: أعضاء الاتحاد الاقتصادي الأوراسي (الاتحاد السوفييتي السابق)، وإيران ومصر وفنزويلا وكوريا الديمقراطية ومنغوليا، وصربيا التي ناشدت موسكو وبكين تقديم العون لها.

ما الذي يمكن لوسائل الإعلام الأوربية أن تفعله في ظل غياب أي تضامن من الدول الغربية المتشبثة بغرور دروسها الأخلاقية، وتصميمها على متابعة الحروب غير القانونية أو (غير المرئية)، وإنهاء الاحتكار (الأطلسي) في المجال الإنساني الذي يشكل العمود الفقري للتدخل. وسوف تستمر وسائل الإعلام المهيمنة في إعادة اختراع الأكاذيب حول (الدول التي تثير غضب الغرب: (سورية وإيران وروسيا والصين)!

من جانب آخر، تواجه أمريكا تحدّياً حتى في حديقتها الخلفية، وعجزها عن مواجهة العالم. فبعد ستين عاماً من العقوبات، لا تزال كوبا موجودة وطورت عقاراً حديثاً.  في 16 آذار، وبناءً على طلب لندن، تم استقبال سفينة سياحية (MS Braemar) وعلى متنها الركاب غير المرغوب فيهم من الغرب، كما أرسلت كوبا بعثة طبية إلى إيطاليا.

الوباء وصل إلى فنزويلا أيضاً في ظل عقوبات واشنطن، إذ تبلغ تكلفة الفحص مستويات عالية، فيما رفض صندوق النقد الدولي صنيعة واشنطن، القرض الذي طلبته كاراكاس، وبحسب خبراء الأمم المتحدة، فإن مثل هذه العقوبات (ترقى إلى مستوى أعمال الإبادة الجماعية) ويجب مقاضاة مرتكبيها.

لقد دخل السلوك الإجرامي لأمريكا و (الديمقراطيات الكبرى) إلى المشهد من عام 1991 عندما ظهر نموذج (المجتمع الدولي) وكان قادراً على التحرش، على الرغم من أن الفيتو الروسي الصيني الأول ضد التدخل العسكري في سورية في تشرين الأول 2011 قد أوقف زخم الثلاثي المتغطرس.

فبعد نصف قرن من ولادة (نظرية الجنون) على يد نيكسون وكيسنجر بمسمى (تحت X)، فإنها بعيدة كل البعد عن كونها اللمسة الشعبية لـ الجغرافيا السياسية، وهي بالنسبة للغرب مفتاح أساسي للعبة رائعة: قام رجل العصابات ذو الفتيل الأصفر وسط أفعاله بصنع أتباعه في الشرق الأوسط، نتنياهو جلاد الفلسطينيين والشريك في (صفقة) مخزية، أردوغان الهيستيري، ومحمد بن سلمان، الذي يحلم بتحويل شبه الجزيرة العربية إلى ديزني لاند، هذا هو الجسم الغريب القادر على نشر الفوضى في وسط (الحزام الأخضر) في ظل الطاعون الجديد.

ما كتبه دوج باندو يوم 22 آذار في كتاب (الاهتمام الأمريكي) يستحق الاهتمام: (يعني الفيروس التاجي أن أمريكا مكسورة، يجب أن يخرج ترامب من الجحيم السوري بعدما فقد الشرق الأوسط أهميته الإستراتيجية)، حيث اختفت المخاوف الرئيسية: لا أحد يهدد بسرقة النفط الذي يعتمد عليه الغرب، لا أحد يهدد بقاء إسرائيل كقوة إقليمية. يُذكر أن أمريكا تسعى جاهدة لشن حرب لا نهاية لها ضد سورية، حرب غير مرئية لحظر السلام وإعادة الإعمار، وتحتفظ باحتلال غير شرعي شرقي نهر الفرات للسيطرة على النفط السوري ونهبه.

لقد تعرضت سورية للهجوم من قبل تحالف ضم أعضاء حلف شمال الأطلسي، وقوى الإرهابيين والعديد من المتواطئين، وقد فُرضت عقوبات مشينة على سورية منذ عام 2011. لنتذكر أن العقوبات التجارية أو المالية تهدف إلى منع الدولة من العمل وحصار اقتصادها. من بين أمور أخرى، لديهم تأثير حظر استيراد الأدوية والمواد الصحية، وهو أمر خطير لبلد مدمر بفعل الحرب مثل سورية.

كيف يمكن للدول أن تدعي أنها (متمدنة) عندما لا يكون لديها الشجاعة لكسر الصمت. لا تكفي المطالبة بالرفع الفوري للعقوبات، يمكن لكل دولة اتخاذ القرار بمفردها أو في إطار جماعي. هناك حالة طوارئ: سورية تدخل عامها العاشر من الحرب وهناك قلق بشأن الأثر الذي يمكن أن تحدثه الهالة الموجودة بالفعل في المنطقة. والواقع أن الوباء لا يمكن أن يخفي السلوك الإجرامي لحلفاء واشنطن: (إسرائيل) مسؤولة عن الحبس الجماعي للفلسطينيين، وخاصة في غزة، أردوغان يبتز أوربا بورقة اللاجئين ويهدد برميهم نحو أوربا.

كما يجب رفع الحصار الذي تفرضه أمريكا على إيران. بعد مقاومة أربعين عاماً للعقوبات المفروضة بتحريض من واشنطن ومواجهة إعادة التصعيد التي بدأها ترامب منذ انسحابه غير القانوني من المعاهدة مع إيران، تعد إيران أيضاً من بين الدول الأكثر تهديداً من قبل الوباء، على الرغم من أنها تعاني من خنق اقتصادي. إذا جاء الأوربيون بسلوك حكيم، لمساعدة إيران، فسوف يستردون قليلاً من مجموعة الأقطاب العالمية التي يدعو إليها روحاني: أمريكا ليست مسؤولة فقط عن وفاة إيراني كل عشر دقائق، بل تهدّد حياة العالم برمته.

(نقلاً عن موقع الصديق وليد الحجار)

العدد 1104 - 24/4/2024