أين هي الأحزاب السورية الجديدة؟

صفوان داؤد:

في صورة مُعبِّرة عرضت إحدى مواقع التواصل الاجتماعي المحلية صورةً لخمسة أشخاص أو ستة، بينهم سيّدة، وكُتِب تحتها: نتحدّى أيّ مواطن في سورية يعرف من هؤلاء الأشخاص.

بُعيد اندلاع الأزمة السورية جرى إصدار قانون تعددية الأحزاب في سورية، قانون انتظر سنوات قبل أن تُقِرّ فيه الجهات المعنية صراحةً السماح عبره بتكوين الأحزاب، التي كانت من المحرمات السياسية ببند كان قد نُصّ عليه في الدستور السوري السابق. لكن الدستور الحالي قد أقرّ التعددية الحزبية، وأقرّ ضمناً أن الأحزاب والكيانات السياسية جزء أصيل من حقوق المواطنين السوريين، وأصبحت القناعة الشعبية أن الأحزاب تهمة، وأن منتسبيها من العملاء، مجرد ترّهات من الماضي. الآن ومع مرور عشر سنوات تقريباً على إصدار هذا القانون، ماذا قدمت الأحزاب الجديدة للحياة السياسية في سورية؟ وهل فعلاً أسست لثقافة سياسية تقوم على مبدأ احترام الاختلاف والتبني الجدي لمطالب المواطنين؟

حالياً يوجد في الساحة السورية عدد لا بأس به من الأحزاب الجديدة. إن واحدة من أهم الميزات التي اتصفت بها هي الكم العريض من السِّجالات والمهاترات البينية فيما بينها، والتي ابتعدت، ويا للمفارقة، عن الاقتراب والمسّ بالأحزاب التاريخية في سورية. كما اتصفت هذه الأحزاب بالتشرذم وانعدام الوزن، تحت ضغط جملة ظروف تاريخية وبنيوية جعلتها تفتقد أيّ ملمح من ملامح الصراع الفكري أو التنافس السياسي كما عهدته سورية خلال خمسينات وستينات القرن الماضي بين اليسار والقومي، أو بين التيارات التي حملت التوجه نفسه، خاصة ما كان حاصلاً بين التيارات القومية الرئيسية البعثية والسورية والناصرية. وعكست، بشكل أو بآخر، غياب الإرادة الحقيقية لتشكيل جبهة عريضة أو قوة ديمقراطية منظّمة ووازنة تستطيع مواجهة سطوة وقوة السلطة في احتكارها للحياة السياسية منذ عقود، كما أفلتت فرصة تاريخية منها، بحضور الأزمة السورية وتعقيداتها من تراكم الخبرة الضرورية لمعالجة الأزمات الداخلية المستعصية التي يظهر بشكلٍ جلي أنها ليست أزمات معيشية، بقدر كونها أزمات نابعة من خلل في البنية السياسية السورية. وهي لم تستطع أن تخلق حتى الحد الأدنى من صدقية يمكن أن يتطلع إليها الجمهور، ويستطيع الاعتماد عليها لمعالجة مشاكله أو حتى كوسيلة يمكن له أن يشارك عبرها في القرارات أو يعبّر عن تطلعاته أو هواجسه المُحقّة.

وإذا تعمّقنا في المنطلقات الفكرية لهذه الأحزاب لوجدناها مكوّنة من بُنى فكرية هجينة، فكر يساري أو قومي تقليدي، مقتبسة عن الأحزاب السورية التاريخية المعروفة باتجاهها الماركسي أو القومي، مع تعديلات غَلَبَ عليها التركيز على المبادئ الديمقراطية الحديثة، وهذا الخليط بلا شك يعطي حيوية أكثر للبعد النظري لها، ويجعله أكثر قرباً من الجمهور خاصة من فئة الشباب. لكن ضحالة حضور هذه الأحزاب وغياب الحوامل المجتمعية لها، وعدم نضوجها، وضعف حضورها الفاعل في الساحة السياسية السورية، فرضَ وجود مشكلة عميقة في خلق رؤية وبرامج عملية محدّدة الأهداف والغايات تضبط وتشارك من خلالها في حلّ سلسلة الأزمات الوطنية الناتجة عن الحرب السورية. ويبدو هذا طبيعياً من كيفية ونوعية الكوادر المُستلمة زمام أمور هذه الأحزاب، ومن هشاشة تكوينها التنظيمي، إذ من المُلاحظ أن الأدبيات والمنطلقات الفكرية لها تحمل بالمجمل من القيم الانسانية والوطنية ما يكفي لجعلها رائدة في تحقيق الهدف الهام والنبيل الذي وجدت من أجله، لكن افتقار كوادرها للكاريزما، وافتقارها القدرة على مخاطبة الجمهور وتقدير وعيه السياسي بعيداً عن الشعارات الرنانة، حال دون إثبات حضورها، ورسّخ فشلها في خلق الوسائل والاجتهادات المناسبة، وهذه الإرادة لا تتحقق إلا في اللحظة التي تنسجم فيها استراتيجيات هذه الأحزاب ووسائلها مع مصلحة الجمهور السوري وقضاياه العميقة والمستقبلية. وهذا غائب فعلياً عن كوادر هذه الأحزاب التي وقعت في معضلة مجاراة العمل السياسي وليس الانخراط فيه، واعتباره مجموعة من المشكلات الإدارية أو الإدارية-التنظيمية، لا كمجموعة من الخيارات والأولويات القائمة على أسس ونهج نضالي استثنائي بعيد المدى. هذا يفسر غياب الصراع الفكري والتنافس السياسي، وغياب البصمة السياسية لها. بالتالي يجب أن نعترف أن حيثية ضغط السلطة على هذه الأحزاب_ وإن وجدت فعلاً_ تبقى ذريعة تغطي بها هذه الأحزاب أعراضها المزمنة وفشلها في تحقيق الحضور المناسب، وعجزها عن تطوير الأداء السياسي الفردي والجماعي الذي لا بد منه لاستعادة المبادرة السياسية في البلاد والدخول في عملية المشاركة في اتخاذ القرار. بالنتيجة وقعت هذه الأحزاب، على الرغم من تبنّيها الخيار الديمقراطي، ضمن الفضاء نفسه الذي يحكم الجهاز الإداري والاقتصادي والسياسي في سورية؛ النطاق البيروقراطي المتعالي على مصائر الوطن والشعب وروح المؤسسة. وعجزت عن بناء منظومة نقدية، ولم تتسم بالموضوعية عند إعادة قراءة السياق التاريخي ومسببات المصير الذي وصلت إليه البلاد نتيجة الحرب.حالياً لا يمكن وصف المعارضة السورية المتمثلة بالأحزاب الجديدة حسب اعتقادي سوى بأنها بلا لون ولا طعم، فهي لم تستطع جذب الشارع السوري ولم تحظَ بتقديره، والحق يقال إن هذا الجمهور مازال ينتظر ويأمل منها أن تحقق الحد المطلوب منها تجاه الوطن والمواطن. والصورة التي عُرِضت على هذا الجمهور على وسائل التواصل الاجتماعي في بداية حديثنا هي لأمناء عامين ورؤساء أحزاب سورية جديدة خلال لقاء لهم في أحد الفنادق (الفاخرة) في دمشق.

العدد 1104 - 24/4/2024