الفساد المنظم يقوض ذكاء البطاقة ويغلّ صدور المواطنين

د. سنان علي ديب:

على الرغم من معارضتتا القوية قبل الحرب لطرح البطاقة،لأن عقلية المبتكر للفكرة كانت وقتذاك محابية للتجار وسوء ممارستهم وسعيهم لتقويض الدور الاجتماعي لمؤسسات الحكومة ولتشويه التركيب الطبقي تحت غطاءات وتضليلات وأكاذيب اتضحت اهدافها بعد الحرب، بما حملته من تدمير ممنهج ومبرمج لأغلب القطاعات التي كانت تدار من قبل الحكومة، ولكن تداعيات الحرب من خلال انعكاساتها عبر التدمير والنهب والسرقة لمنابع الطاقة وعرقلة إصلاح القطاع العام و السعي لتمويته بعد وضعه بالعناية المشددة سابقاً، إذ بلغ حجم الخسائر حوالي 600 مليار دولار ومنعكسات اقتصادية واجتماعية ونفسية وثقافية  تعجز عن الإحاطة بها وعلاجها أغلب البلدان المتقدمة. واستمر البرنامج اللاإنساني الاحتلالي من قوة الغطرسة، وذلك بفرض عقوبات لا إنسانية وحصار كبير وضغوط، لفرض اجندات سياسية معينة، ومع هذه الظروف لا نعرف بها العدو الخارجي من الداخلي باركنا تضمين توزيع المحروقات عبر البطاقة الذكية لتكرار الاختناقات والأزمات وكانت الرؤية ضمن تأمين حدود الضروريات بأسعار شبه مقبولة، وما يزيد عبر سعر يفوق السعر الأصلي. وكان لانعكاسات تنفيذ التجربة نجاحات من حيث توفير مليارات الليرات على موازنة الدولة عبر توفير كميات كبيرة من الوقود، ومن ثم طبقت على الغاز المنزلي بالسماح لكل أسرة بتبديل أسطوانة في الشهر وفق توقيت زمتي معين، وقد لاقت نجاحاً في البدايات إلا أنه مع اقتراب الشتاء وزيادة الحاجة والضغط، جعل الفاسدين يحاولون التخطيط واللعب لخلق سوق سوداء عبر تأخير الدور لمن استحق وزيادة الأزمة، فكيف لا تؤمّن الأسطوانة بموعدها بالسعر النظامي؟ فسبّب هذا التلاعب وسوء التوزيع والجشع سخطأ كبيراً وسط عذاب وقهر المواطنين وفي وسط هذه الظروف جاء طرح تضمين البطاقة مواد إضافية كالسكر والارز والشاي ولاحقا السمنة والزيت، وذلك لتواصل اللعب بالأسعار في الأسواق عبر متحكمين فاسدين وضعف وزارة حماية المستهلك ومؤسساتها وأدواتها في ضبط الأسعار، مع إطلاق تصريحات فارغة من أي فعل وعدم توفر النوايا السليمة. فكيف ستضبط وتؤثر بالأسعار وتتدخل لتخفيضها وهي  تستجرّ المواد من التجار المستوردين أنفسهم عبر حصة من المستوردات، ولم تحاول أن  تستجر عبر استيراد مباشر او عبر مؤسسة التجارة الخارجية، وبالتالي هي تابعة للمتحكمين بالسوق وغير قائدة له، إذاً فكرة تخصيص بعض السلع الأساسية هي حاجة وضرورة، فالسكر والرز والشاي تستعمل يومياً ورغم أن ما خُصِّص غير كافٍ للكثير من الأسر، فقد كان  السقف فيما مضى 4 كيلو سكر و3 رز، وكيلو شاي، للأسرة المؤلفة من 5 أشخاص، ورغم أن كمية السكر التي ستعطى الآن بموجب البطاقة قليلة ولكن التوقيت مناسب والتنفيذ بأسرع وقت ذكاء. ويبقى السؤال: هل ستحافظ البطاقة على ذكائها أم ستنقهر أمام ذكاء ودهاء الفاسدين من تجار وموظفين تابعين وداعمين لهم؟ وماهي الأسعار التي ستباع للمواطن بها، هل هي عادلة تتناسب مع إمكانياته؟ فالرؤية الحالية وتاريخية التعاطي مع الأزمات الناجمة عن الحرب تبين أن اسلوب عمل مؤسسات التجارة وعقليتها المتوارثة سوف تؤدي لاكتظاظات كبيرة ولن تكون العملية كما نريد من ناحية أخرى.

فضبط عمل موظفي المؤسسة ومحاسبة من يحاول العرقلة ومن يتعاون معهم ضروري.

فالعملية هي سعي لضبط السوق ولتأمين حاجات المواطنين بأسعار مناسبة، ولكن هل ستستجر عبر محتكري المواد او عبر مؤسسات الحكومة لتكون الأسعار مستقرة ومتناسبة؟

وقد صُرِّح بأنه عندما تستقر الأسعار وفي حال توفر الفائض ستزاد الكميات المخصصة للمواطنين، فهل هذا التصريح حقيقي أم أنه تخديري؟

وبالخلاصة نقول من المؤكد أن استعمال البطاقة حل آني مناسب في ظل استعار الحرب الاقتصادية من عقوبات وحصار، وتقاطعها مع دواعش داخلية تحتكر وتلعب بالأسعار وتضارب بالدولار.

ولكن هل ستترافق العملية بمراقبة ومتابعة وتصحيح الإجراءات باستمرار بما يحقق التوازنات وخاصة الحاجات القصوى للمواطنين؟

قد يكون تقليل الكميات وتقنينها نوعاً من التخطيط المتوسط بأن هناك زيادة من الضغوطات والحصارات ستنفذ على بلدنا لفرض أجندات، فبالحرب المتآمر بها علينا منذ 9 سنوات يجب أن نتوقع أي شيء من الأعداء والتخطيط ضمن توقع أي شيء صحيح، وهذا ما جعلنا نتقبل الفكرة وقد يكون أغلب الشعب ينظر بريبة وشك إليها لفقدان الثقة وتسيّد الفاسدين أغلب الساحات. ولكن لننتظر التنفيذ وفق الظروف فما ذكره أحد المسؤولين انها بداية قابلة لتغيير الكمية حسب توفر المواد، وبالتالي هناك نقص وهناك لعب بالأسعار من قبل المحتكرين وتلاعب بأسعار السوق وسط هلع المواطن وتراجع قدراته الشرائية.

كانت البطاقة ذكية نوعاً ما بالبنزين، ولكن تفوق ذكاء الفاسدين بالغاز، وبانتظار من سيفوز بتوزيع السلع الأساسية: ذكاء البطاقة، أم ذكاء الفاسدين المتحالفين مع تجار الأزمة، وقوّتهم ودهاؤهم وقذارتهم.

 

العدد 1104 - 24/4/2024