الحلول الاقتصادية.. هل تستجيب الحكومة؟

سليمان أمين:

الواقع الكارثي للمعيشة في الوطن السوري اليوم لم يأتِ من فراغ، بل هو ناتج عن إهمال الإصلاح وعدم وضع الحلول بتوقيتها المناسب والدقيق بشكل بديهي، حان الوقت للخروج من الحلقة المغلقة الفارغة بتوجيه كل ما يحدث وتبريره بأن سببه الحرب والحصار والمؤامرة وغيرها من الشماعات التي تعلق عليها الحكومة وبرلمانها أي خطب أو حدث يحدث، وبأن كل الطرق مسدودة نحو الحل والخروج من الأزمات.

رغم كل الوضع الاقتصادي السيئ الذي يعيشه المواطنون السوريون اليوم لكنه لم يصل بعد للأسوأ، وما زال إيجاد الحلول العلاجية ممكناً وليس مستحيلاً، إن سارعت القيادة السورية لاتخاذ حزمة من الإجراءات الإصلاحية الاقتصادية بشكل سريع وحاسم، وأن تكون هذه الإجراءات دائمة للانتقال إلى مرحلة جديدة وتحسن اقتصادي بفترة قصيرة وإلا سوف تذهب الأمور للأسوأ والأسوأ.

الحلول والإجراءات التي يمكن اتخاذها وفق دراسة الوضع الاقتصادي ووفق بحوث اقتصادية عالمية يمكن تلخيصها بالتالي:

حدث في الآونة الأخيرة نشاط التلاعب بصرف العملات الصعبة في السوق السوداء، لن نتهم من المسؤول عن ذلك، ولكن ما يجب أن يحصل هو إغلاق مكاتب الصرافة الخاصة غير حكومية ووقف كل عمليات التداول في السوق السوداء ، وتطبيق مرسوم تجريم التعامل بالدولار ، وأيضاً يجب تجريم حيازة الدولار، كما حدث في ثمانينيات القرن المنصرم، عندما طبقت الدولة قوانينها بالقوة على الجميع دون استثناءات، ونجحت بضبط سعر الصرف وغيره.

وعلى الحكومة ضبط الحدود ومنع التهريب بالقوة، وضبط الأسعار ومنع الاحتكار، بفتح المستودعات التي يخزن فيها كبار التجار المحتكرين بضائعهم، ومحاسبة كل من يقدم على ذلك بشكل علني عبر وسائل الإعلام، بتفعيل الرقابة الحكومية بشكل جدي، ووضع لجان تموينية مختصة ونظيفة السيرة الذاتية وتجريم كل عنصر يقوم بمخالفة القانون وتقاضي الرشوة بشكل علني وصريح ليكون عبرة لغيره، حتى يتم القضاء بشكل كامل على ما يسمى بالسوق السوداء.

تطبيق مبدأ الشفافية بتعامل الحكومة من المواطنين، وتوضيح أي خلل بشكل بسيط وموضوعي من قبل أي مسؤول في الحكومة عبر وسائل الإعلام، لكي يستعيد الشعب ثقته بحكومته، والابتعاد عن إسناد أي مشكلة لمسببات وضغوطات خارجية وغيرها، أي عدم رمي الأخطاء على الغير، ومشاركة المواطنين المسؤولية واعتبارهم موجودين وليسوا مجرد دمى لا تفقه شيئاً مما يحدث كما يحصل الآن، وكما حصل تحت قبة البرلمان في جلسته يوم الأحد بمنع الأعضاء من تقديم مداخلاتهم ومساءلة الحكومة بشكل صريح، وعلى الإعلام الرسمي نقل كل المجريات ووقائع جلسات البرلمان، لأن البرلمان وفق الدستور والقوانين يمثل الشعب.

الاستفادة من تجارب الدول المتقدمة التي خرجت من تحت الأنقاض وأصبحت الأولى عالمياً كألمانيا وماليزيا واليابان وغيرها، وذلك بوضع خطة اقتصادية إصلاحية واضحة وبخبرات سورية وطنية محلية، فلدينا الآلاف من الخبرات الاقتصادية والاجتماعية وغيرها من المجالات المتعددة التي يمكن استثمارها بمنحها الفرص بالعمل والبناء، لماذا ندعوهم للهجرة وتقديمهم لبلدان أخرى على طبق من ذهب؟؟ فالسوريون أدرى بما في مؤسساتهم وأرضهم، ولديهم آفاق واسعة للإبداع والخروج من القاع للقمة، وعلى الحكومة المسارعة في الانتقال إلى اقتصاد السوق الاجتماعي واعتماده بشكل دائم وإنهاء سوق الاقتصاد الحر المخادع الذي بدأه الدردري في عام 2003 وهو الذي أوصل اقتصادنا إلى هذه الحالة السيئة، فالاقتصاد الاجتماعي هو سيد المعجزات التي يمكن أن تخرج اقتصادنا بشكل تدريجي وتعيده لمكانته.

على الحكومة فرض سيطرتها على التضخم الحاصل بضبط الأسعار، وفتح آفاق تنافسية جديدة بين التجار بمنح إجازات استيراد لمن يرغب من التجار والصناعيين، فالاستيراد قانونياً ليس حكراً لأحد كما يحدث من سنوات، باحتكار مجموعة من التجار المقربين من الحكومة وبعض الشخصيات السياسية الأخرى باب الاستيراد والإنتاج.

إعادة تأهيل المصانع المدمرة وآبار البترول والغاز، وخلق مناطق صناعية جديدة في بعض المحافظات المهمشة مثل اللاذقية وطرطوس ومصياف وحمص وغيرها من المدن التي يجب خلق صناعات جديدة فيها، إضافة إلى تقديم كل التسهيلات اللازمة لمن يرغب بفتح صناعات إنتاجية تخدم المجتمع السوري. ويجب على الحكومة الإسراع بمعالجة واقع الزراعة السورية واستثمار كل المناطق الزراعية، وتقديم كل الخدمات والتسهيلات للفلاحين ودعمهم عبر الوحدات والجمعيات الزراعية الإرشادية والبيطرية، فمساحة سهل الغاب قادرة على تأمين 70% من اكتفاء حيواني وزراعي إذا استُثمرت بالشكل السليم والصحيح دون فساد واحتكار لصالح بعض الشخصيات.

وعلى الحكومة دعم المشاريع الإنتاجية المتوسطة والصغيرة، أي دعم شريحة واسعة من المجتمع ، فعلى سبيل المثال تجربة ألمانيا عندما دعمت المشاريع المتوسطة والصغيرة الزراعية والصناعية والخدمية أمنت من 80 إلى 90% من فرص العمل، وكذلك اقتصاد الثمانينيات والتسعينيات الاشتراكي قد طبقت مبدأ الاكتفاء الذاتي بالاهتمام بالزراعة والصناعة بشكل فعلي وجدي.

بهذه الوسائل والإجراءات يمكن الوصول إلى مرحلة الاستغناء عن الاستيراد ووقف التعامل بالدولار.

رفع أجور ورواتب العاملين بالتدريج، ذلك أن رفع الرواتب وتحسين دخل الفرد سيؤدي إلى زيادة القوة الشرائية ويسهل على المواطنين العيش ومواكبة كل متغيرات الحياة بكرامة، وهذا يحمي البلد من كل التغييرات العالمية سواء اقتصادية وسياسية.

أما بالنسبة لموضوع الضرائب فعلى الحكومة وضع نظام ضريبي تصاعدي تبعاً للدخل، وهذا النظام مطبق في الدول المتقدمة، حيث يدفع أصحاب الدخل العالي وطبقة الأثرياء نسب ضرائب أعلى من المواطن ذي الدخل المحدود، فالأثرياء وأصحاب الدخل العالي، يدفعون نسبة ضرائب أعلى من أصحاب الدخل المحدود، أما عندنا فكثيراً ما حدث أن تهرّب أصحاب رؤوس الأموال في السابق من دفع الضرائب، وعندما اشتدت الحرب هرب معظمهم لخارج البلد.

فتح آفاق الاستثمار في سورية بشكل جدّي، على أن يمنح للمغتربين السوريين كل الامتيازات وكل التسهيلات لاستثمار ثرواتهم في البلد بما يخدمها من مصانع ومعامل وتكنولوجيا وغيرها، لا وضع العوائق أمامهم كما حدث في السنوات الماضية وإجبارهم على الهجرة للاستثمار في تركيا وغيرها من الدول الأخرى التي تمنحهم كل التسهيلات، فهذه الاستثمارات تنعش البلد اقتصادياً واجتماعياً، وتحد من البطالة بخلق فرص عمل كثيرة، وتحسين الدخل للفرد السوري، فما المانع أن تكون سورية الجديدة أفضل من دبي وغيرها من الدول التي كانت عبارة عن خيم متنقلة وبيوت طينية في خمسينيات القرن الماضي، عندما كانت دمشق عاصمة الشرق وقبلة العالم أجمع؟

 

ختاماً

ليس هناك مستحيل في الحياة، أمام استثمار العقل بالعمل الجاد، فالصناعة الحقيقية والإبداعية لهندسة الكون والمدن تبدأ رحلتها من التطبيق والعمل لرفعة الوطن باستثمار طاقاته البشرية لخدمة الإنسان.

 

العدد 1102 - 03/4/2024