شبح أزمة مالية.. احتمالات ضعيفة لتحسن الاقتصاد العالمي في 2020

عبد الحافظ الصاوي:

شهد عام 2019 صراعات اقتصادية عالمية كان أبرزها الحواجز التجارية التي قادتها أمريكا تجاه مجموعة من الدول، خاصة الصين، وأدى ذلك إلى تراجع معدل النمو في الاقتصاد العالمي لنحو 3% في عام ،2019 متراجعاً عن 7,3% في ،2018 و8,3% في 2017.

وكان لتراجع معدل نمو الاقتصاد العالمي وزيادة حدة الحواجز التجارية الأثر الأكبر في تراجع معدل نمو التجارة الدولية، ليصل إلى 1% خلال النصف الأول من عام ،2019 وهو أبطأ معدل تشهده التجارة الدولية منذ عام ،2012 وذلك حسب تقديرات صندوق النقد الدولي في تقريره عن آفاق الاقتصاد العالمي بنهاية 2019.

وكان من الطبيعي أن يلقي تراجع معدل النمو الاقتصادي الضعيف بظلاله على صناع السياسة المالية، فقد اتجهت أغلبية دول العالم، وعلى رأسها أمريكا والصين وأوربا، إلى تخفيض سعر الفائدة في البنوك من أجل إنعاش الطلب المحلي، لوقف الآثار السلبية لتراجع معدل النمو.

لكن الأسابيع الأخيرة من عام 2019 شهدت حدثين مهمين، هما الإعلان عن قرب توصل الولايات المتحدة والصين إلى اتفاق جزئي لإنهاء أزمة الرسوم التجارية بينهما، وهو ما أدى إلى تحسن بعض المؤشرات الاقتصادية في البورصات العالمية وسوق النفط العالمي، والأمر الثاني فوز حزب المحافظين بالانتخابات في بريطانيا، وإعلانه عن حسم قضية الخروج من الاتحاد الأوربي.

ومع ذلك لا يزال شبح الأزمة المالية العالمية المنتظرة في 2020 يخيم على الاقتصاد العالمي، خاصة في ظل التداعيات السلبية لارتفاع أزمة المديونية العالمية التي توقع لها معهد التمويل الدولي أن تقفز إلى 255 تريليون دولار بنهاية ،2019 وبما يزيد على نسبة ثلاثة أضعاف الناتج المحلي العالمي، وهذه المديونية تشمل مديونية الحكومات والشركات والأسر.

 

الصراعات تستنزف اقتصادات المنطقة

ثمة مجموعة من التحديات تواجه اقتصادات المنطقة خلال ،2020 وعلى رأسها التحدي المتعلق بالتداعيات السلبية للصراعات المسلحة، خاصة بعد التصعيد المصري التركي بشأن ليبيا، وهو ما يعني أن المنطقة مرشحة لأن تكون في مقدمة الدول صاحبة الإنفاق الأعلى على التسليح بين دول العالم كما كانت خلال السنوات الماضية، وبلا شك سيكون ذلك على حساب التنمية، وخصماً من مستوى معيشة الأفراد.

كما أن الحراك الذي شهده عام 2019 أو ما سميت الموجة الثانية من الربيع العربي أظهر التحدي الاقتصادي الذي يواجه حكومات دول الحراك، وهي السودان والجزائر ولبنان والعراق، فالدافع الاقتصادي للحراك كان بارزاً في مطالب المتظاهرين بهذه البلدان.

ودون الديمقراطية وانتخابات حرة ونزيهة سيكون من الصعب تحقيق مطالب الحراك في هذه الدول وغيرها من دول المنطقة، من العدالة الاجتماعية، وعدالة توزيع الثروة، والقضاء على الفساد.

وإن كانت توقعات صندوق النقد الدولي تذهب لأن تحقق الدول النفطية في المنطقة معدل نمو 3,1% خلال 2020 فإن أداء سوق النفط يضع صانع السياسة الاقتصادية في حيرة من أمره، إما أن يستفيد من التحسن الموجود في أسعار النفط مؤخراً ليعالج عجز الموازنة، أو يلتزم بسياسة تخفيض الإنتاج وبالتالي يواجه عجز الموازنة.

ولا يواجه الاقتصاد النفطي العربي تحدي الأسعار ومتطلبات سوق النفط فقط، ولكنه يواجه كذلك التداعيات السلبية الأخرى، مثل عزوف الاستثمار الأجنبي المباشر عن المنطقة، خاصة بعد أن تورطت دول الخليج النفطية في حروب مباشرة وصراعات عدة بمنطقة الشرق الأوسط، كما أن الإجراءات التقشفية التي تعيشها المجتمعات النفطية العربية لها تداعياتها السلبية التي لا يتوقع لها أن تنفرج في الأجل المتوسط.

وبقي التأكيد على أن منطقة الشرق الأوسط عموماً، والمنطقة العربية خصوصاً، سيكون من الأصعب خلال 2020 التوقع بدخولها في كيان إقليمي اقتصادي يسعى لتنميتها أو تحسين موقفها على خريطة الاقتصاد العالمي، فالمنطقة تتنازعها مشروعات عدة غير عربية، والمشروع العربي لا داعم له. ولا يعتبر المحيط الإسلامي بعيداً عن المحيط الشرق أوسطي أو العربي، وإن كان يتوقع لقمة الخمس الإسلامية، التي عقدت بماليزيا في كانون الأول (ديسمبر) 2019- أن تكون نواة لمشروع اقتصادي إسلامي، ولكن يبقى الواقع ليصدق هذه الأماني أو يكذبها.

فتركيا التي تعتبر العصب الحقيقي لهذا التجمع تواجه تحديات جمة على صعد مختلفة، وإن كان الاقتصاد التركي قد شهد تعافياً ملحوظاً خلال عام 2019 إلا أنه منذ الإعلان عن اتفاقها مع ليبيا تراجعت عملتها بنحو 20 قرشاً أمام الدولار.

كما أن إيران التي تعتبر رقماً مهماً في معادلة إقليم الشرق الأوسط تدخل عام 2020 ورئيسها روحاني يصرح بأن أوضاع بلاده هي الأصعب على مدار الأربعين عاماص من الناحية الاقتصادية، بسبب التداعيات السلبية لفرض العقوبات الاقتصادية الأمريكية على إيران.

 

صراع المصالح

ثمة توقعات بأن يكون الاتفاق الجزئي الذي ينتظر أن يتم بين أمريكا والصين بشأن خلافهما التجاري بداية لإنهاء الصراع، ولكن الحقيقة أن كلا الطرفين لديه مصالحه الاقتصادية على الصعيدين المحلي والعالمي، وستوظف قضية الرسوم الجمركية في ضوئها.

فالطموح الصيني لا حدود له، في حين تركز السياسة الأمريكية تجاه دور الصين في الاقتصاد العالمي على أن تظل محصورة في إنتاج السلع التقليدية، والصناعات محدودة التكنولوجيا، على أن تظل أمريكا هي راعية التكنولوجيا في العالم، ولعل الفارق بين الناتج المحلي للدولتين يعكس نتائج هذه السياسة، فالناتج المحلي لأمريكا يصل لنحو 21 تريليون دولار، بينما الصين بحدود 12 تريليوناً.

ولا يعني ذلك أن الصين تسلم لأمريكا بهذه المعطيات، ولكنها تعي أن صراع التكنولوجيا هو الحاجز الأخير لتصدرها خريطة القوى الاقتصادية العالمية، ولذلك نجد أن بعثاتها التعليمية إلى أمريكا وكندا وأوربا في زيادة مستمرة، وكذلك تركيز استثماراتها في قطاع التكنولوجيا.

العدد 1104 - 24/4/2024