الانقلاب في بوليفيا صناعة أمريكية محضة!

د. صياح عزام:

لا شك بأن الانقلاب الذي نُفّذ ضد الرئيس البوليفي (أيفو موراليس) هو حلقة في مسلسل ترعاه الولايات المتحدة الأمريكية ضد القوى اليسارية في دول أمريكا اللاتينية، فتُسقِط هذا الرئيس وتهدد ذاك، وهذا ما يؤشر بوضوح إلى أن الفترة المقبلة ستكون حّبلى بالتطورات السياسية في غالبية هذه الدول، وخاصة  التي لا تسير في ركاب السياسة الأمريكية، وبالتالي فإن ما حدث في بوليفيا وما قد سيحدث في إثارة الأزمات الداخلية أو تنظيم الانقلابات إنما يهدف إلى توطيد هيمنة الولايات المتحدة على دول قارة أمريكا اللاتينية التي تعدها واشنطن مزرعتها الخلفية تتصرف بها كما تشاء.

ولكن هذه الهيمنة الأمريكية واجهت ومازالت تواجه مقاومة سياسية تقودها قوى يسارية واشتراكية بدأت في العودة إلى المشهد السياسي مع انتخاب الرئيس الأرجنتيني الجديد (ألبرتو فرنانديز) والإفراج عن الرئيس البرازيلي الأسبق (لولا دا سليفا) الذي تعهد بالعودة إلى النضال ضد الهيمنة الأمريكية.

بالطبع كل هذه المقدمات التي تمهد بالعودة لعودة اليسار إلى الواجهة في بعض دول أمريكا اللاتينية (أو الجنوبية) لا تروق للولايات المتحدة والقوى العميلة لها أو المحسوبة عليها، لهذا وجدت واشنطن أنه من الضروري أن تتحرك سريعاً لتدارك الموقف، ومع إعادة انتخاب الرئيس البوليفي (إيفور موراليس) لولاية جديدة، أوعزت الإدارة الأمريكية لعملائها في بوليفيا ممن يطلقون على أنفسهم اسم (معارضة) ومعها منظمة الدول الأمريكية، داعية إلى إلغاء نتائج الانتخابات الرئاسية التي جرت في العشرين من شهر تشرين الأول الماضي وفيها الرئيس (موراليس)، ولم تكتف الإدارة الأمريكية بتحريك عملائها، بل تدخل الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) شخصياً في هذا الأمر، من خلال ادعائه حصول (تزوير) في الانتخابات التي جرت، كما دعا في الوقت نفسه إلى إلغاء نتائجها، معتبراً أن (نظام الحكم في بوليفيا الذي يرأسه (موراليس) يفقتر إلى الشرعية، على غرار نظام الحكم في فنزويلا ونيكاراغوا! وبالمناسبة الكل يتذكر المحاولات الأمريكية لإسقاط الرئيس الفنزويلي الشرعي (مادورو) التي جرت خلال الفترة الماضية والتي وصلت إلى الإعداد الأمريكي لتدخل عسكري مباشر في فنزويلا لإسقاط نظام (مادورو) بالقوة، لولا الموقف المبدئي لكل من روسيا والصين في وجه تلك المحاولات وإجهاضها.

والآن، اعتبرت موسكو بأن ما حدث في بوليفيا مؤخراً هو (فيلم من إخراج أمريكي)، ووصفت تنحي الرئيس (موراليس) بأنه انقلاب مدبر.

كل هذه المحاولات الأمريكية تشير إلى أن الولايات المتحدة لا تريد لأحد أن يمد يده إلى الحلبية اللاتينية التي تعتبرها ملكاً خاصاً لها، وأن الكلمة الأولى فيها لواشنطن فقط من دون أي منافس!

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: (هل تمتلك الولايات المتحدة ضمانات للحفاظ على ما تدعيه وتعمل من أجله، بأن تبقى أمريكا اللاتينية مزرعة لها أو حديقة خلفية تخصها وحدها؟) بالطبع الإجابة واضحة، إذ لا توجد ضمانات من هذا النوع.

ومما يجدر ذكره، أنه منذ صعود بعض الأحزاب اليمينية في أكثر من دولة لاتينية، شعرت واشنطن وحلفاؤها في الغرب بأن الرياح باتت تجري لصالحهم وكما يشتهون، ولكن مع مرور السنين ظهرت الحقائق على أرض الواقع، حيث ساءت الأحوال الاقتصادية أكثر مما كانت عليه في السابق، الأمر الذي أدى إلى اندلاع احتجاجات وتظاهرات وزيادة مظاهر السخط والاحتقان، بالتوازي مع تفشي الفساد والبطالة والإحباط الاجتماعي في مختلف البلدان اللاتينية، الاشتراكية منها والرأسمالية على السواء، فبعد أحداث فنزويلا حصلت قلاقل واحتجاجات في تشيلي والإكوادور وهاييتي والأرجنتين ونيكاراغوا ولاحقاً في بوليفيا.

لا شك بأن الأوضاع الاقتصادية السيئة والفساد وما يتبعهما من انتشار الفقر والجريمة في هذه البلدان كانت عاملاً من العوامل التي دفعت إلى الاحتجاجات والتظاهرات، إلا أن العامل الأكثر فاعلية وتأثيراً في اندلاع الاحتجاجات كان العامل الخارجي، وبالتحديد التدخل الأمريكي في الشؤون الداخلية لهذه الدول، وأكبر دليل على ذلك، أن نظام حكم الرئيس الفنزويلي الشرعي (نيكولاس مادور) كاد يسقط قبل أشهر خلت لولا الموقف الروسي الذي حال دون ذلك، الأمر الذي جعل واشنطن تبتلع تهديداتها، وربما أجّلتها إلى حين توفر فرصة أخرى لمعاودة التدخل والتآمر على فنزويلا وغيرها.

 

العدد 1104 - 24/4/2024