حياة يوري إيفانوف مقابل كتاب (احذروا الصهيونية)

بولس سركو:

وفاة الناشطة الأمريكية (كونسبسيون توماس ) منذ أيام ، بعد أكثر من 36 سنة من اعتصام متواصل  في خيمة صغيرة أمام البيت الأبيض من أجل قضية فلسطين مرّر في ذاكرتي شريطاً مؤثراً حول مناضلات ومناضلين أمميين دفعوا حياتهم ثمناً لنصرة هذه القضية دون مقابلة تضحياتهم بما تستحق، كاستشهاد الناشطة الأمريكية (راشيل كوري) تحت جنازير بلدوزر إسرائيلي وهي تحاول منعه من هدم بيوت الفقراء الفلسطينيين في غزة، والفدائية الهولندية (مارغريت تيدارس) التي بقيت تناضل في صفوف الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين حتى وفاتها، وكذلك الفدائي الإيطالي (فرانكو فونتانا)، والفدائيين اليابانيين (تسويوشي أوكودايرا وياسويوكي ياسودا) في صفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، واستشهاد الكاتب الشيوعي يوري إيفانوف مقتولاً على سريره في موسكو بسبب أبحاثه في الصهيونية وأهمها الواردة في كتابه (احذروا الصهيونية) الذي يعتبر من المراجع الموثقة التي فضحت حقيقة ألاعيب الصهيونية كأيديولوجيا وحركة شوفينية نزّاعة للحرب معادية للشيوعية.

ربط الكتاب بين نشأة الصهيونية في بال – سويسرا 1897 في عهد المعارك الطبقية الضارية للبروليتاريا العالمية، مع الممارسة السياسية للبرجوازية اليهودية الكبيرة التي اندمجت بالأوساط الاحتكارية الأمريكية والدول الإمبريالية الأخرى، وقامت على مذهب تأسيس (الدولة اليهودية) بحكمة ساذجة تدعو للرثاء (ما دام ثمة كتاب مقدس وشعب الكتاب المقدس فيجب أن يكون ثمة بلد الكتاب المقدس). فضلاً عن مطامعها التوسعية وتوحيد اليهود على أساس عنصري وإظهار شعوب الكرة الأرضية لهم كأعداء للسامية، والمزاعم الخلقية حول نقاوة العنصر وتفرد (شعب الله المختار) ورفض الأممية، وبدأت نشاطها بالتلفيق والتزوير وترويج خرافة تقول بأنها حركة قديمة قدم العالم تعود إلى زمن سبي اليهود على يد الملك نبوخذنصر بعد هدم هيكل سليمان، والهدف كان زرع فكرة رغبة اليهود القديمة في العودة إلى فلسطين وترويجها.

أكد الكاتب أن ظروفاً خطيرة جداً كانت تختفي وراء خرافة قدم الصهيونية، ويستدل على ذلك بأقوال مؤسسها (تيودور هرتزل): (إن عودتنا إلى وطن الآباء التي تنبأ بها الكتاب المقدس تشكل مصلحة سياسية ملائمة تماماً لتلك الدول التي تبحث عن شيء ما في آسيا). ويقول الكاتب إن تلك الخرافه ومعها الرغبة الجارفة لليهود بالعودة إلى فلسطين تتحطم على الوقائع التي يعود تاريخها إلى القرن الأول الميلادي، إذ لم يتجاوز عدد اليهود 700 ألف في فلسطين، بينما كان عددهم في الإمبراطورية الرومانية وحدها زهاء أربعة ملايين.

كما أكد أن إخفاء الجوهر الطبقي الحقيقي للصهيونية ومطامعها ومخططاتها ومحو التاريخ الحقيقي لولادتها وأسباب ظهورها تهدف لإقناع السكان اليهود في بلدان العالم بأن الصهيونية هي ما تمنوه طوال حياتهم، مذكّراً بأن فكرة الأمة اليهودية الكاذبة تماماً كما أشار لينين والرجعية بجوهرها والتي تخلق لدى الشغيلة اليهود شعوراً معادياً للاندماج، شعور (المهاجر) أصبحت في آن واحد نقطة انطلاق لعقائد اللاساميين والسند الرئيسي لإيديولوجية الصهيونية التي أقيمت عليها كل التراكيب النظرية.

لقد فضح الكاتب في كتابه المذكور كل المنظمات الصهيونية التي حاولت التخفي بالماركسية في روسيا مستشهداً بما كتبه لينين بخصوص ذلك، ومنه ردّه على محاولة البونديين اتهام البروليتاريا الروسية باللاسامية بأنه محض اختلاق رجعي (لو أن البونديين فكروا قليلا بهذه القضية لأدركوا العلاقة الأكيدة بين اللاسامية ومصالح الفئات البرجوازية).  وقال (ليست الميزات القومية وحتى العرقية لليهود فقط تدحضها الدراسات العلمية الحديثة، إلا أن الصهاينة تجاهلوا عمداً وبعناد وكتموا وشوهوا، وكانوا يعرفون أن سلاحهم هو الاعتماد على الجهالة والرهان على التخويف، والدعوة الشوفينية، الانتماء إلى أنقى عرق بين جميع أمم العالم المتمدن). وبسبب مواقف لينين وغيره كتب يوري إيفانوف: (كان الحقد على الأممية والحكم السوفيتي وحزب لينين هو محور جميع انفعالات الصهاينة النفسية ونقطة انطلاق نشاطهم العملي، لأنهم معنيون بتوحيد جميع اليهود بينما كانت الاشتراكية تعني لهم نضال طبقة ضد أخرى داخل اليهود، وكانوا يعتبرونها اعتراضاً لسبيل الصهيونية، لذا فهي ليست نقيضاً فقط بل إنهما عنصران ينفي أحدهما الآخر نفيا تاماً).

بخصوص القضية الفلسطينية كتب المؤلف: (على مدى عشرين سنة ونيف من الجهود الجبارة من 1897 إلى 1919 تمكنت الدوائر الحاكمة الإنكليزية والصهاينة من مضاعفة سكان فلسطين اليهود من 5% إلى 10% من المجموع العام لسكان البلاد وفي الإسهام بتسليح المستوطنين اليهود وتدريبهم  بقيادة عميل المخابرات الإنكليزية اللورد (تشارلز وينفيت) الذي أشرف على تحويلهم لوحدات قتالية محترفة، ونتيجة لذلك ففي العام 1933 كان السكان اليهود الذين يشكلون حوالي 20% من مجموع السكان 238 ألف شخص، قفز الرقم إلى 404 آلاف، فمن السذاجة حسب المؤلف التفكير بأن تدفق المستوطنين الجدد هو نتيجة لانتصار الأفكار الصهيونية مشيراً إلى الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها تلك العصابات بحق الفلسطينيين لفرض واقع جديد بالقوة.

وفي إطار استعراضه لتطورات اغتصاب فلسطين ذكر أن (مناحيم بيغن) أعلن أمام الجيش الإسرائيلي عام 1958 ما يلي (يجب ألا تكونوا رؤوفين عندما تقتلون عدوكم، عليكم ألا تشفقوا عليه، ما دمنا لم نقضِ بعد على الحضارة العربية التي سنبني على أنقاضها حضارتنا). أما (بن غوريون) فقد قال لتلاميذ يهود: (إن خريطة إسرائيل ليست بخريطة بلادنا، لدينا خريطة أخرى وعليكم أنتم طلبة وشبيبة المدارس اليهودية أن تجسدوها في الحياة، وعلى الأمة اليهودية أن توسع رقعتها من النيل إلى الفرات).

وتابع الكاتب التفاصيل المثيرة للمنظمة الصهيونية العالمية ومركزها الرئيسي في الولايات المتحدة الأمريكية، ومدى انتشارها في العالم وحجم تأثيرها على قرارات الدول الرأسمالية، وكمية الأموال الهائلة والممتلكات التي تستحوذ عليها، وحدد ثلاثة مهمات لها مطلوب من إسرائيل القيام بها:

1- أن تتحول إلى قرصان حربي مؤهل بالقوة للإشراف على اتجاه مجرى الأحداث في الشرق الأدنى المنطقة الحيوية التي لا تثمن بالنسبة للإمبرياليين.

2- أن تكون مركزاً للتأثير الديني والسياسي والإشراف على ملايين اليهود مواطني مختلف البلدان.

3- أن تصبح كموقع وسيطاً لعملية التغلغل الاقتصادي والسياسي الإمبريالي في البلدان النامية في إفريقيا وآسيا.

يذكر أن الكتاب صدر عن وكالة نوفوستي السوفيتية عام 1968 ودفع يوري إيفانوف مؤلفه حياته ثمنا لذلك عام 1983 وسجلت القضية ضد مجهول.

في وقت يهرول فيه غالبية الحكام العرب ومعهم طيف واسع من المثقفين المأجورين والتجار والجهلة للتطبيع مع عدو هذه هي مهمته، كم هم عظماء وشرفاء وإنسانيون أولئك الرفاق الأمميين المضحون بأرواحهم من أجل قضيتنا! كم هي عظيمة شهامتهم وأخلاقهم ومبادئهم!

العدد 1104 - 24/4/2024