قرصنة مزدوجة على إيران والشّعب السّوري!
ريم الحسين:
صرح مساعد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي: حجز ناقلة النفط الإيرانية من قبل سلطات جبل طارق جرى في المياه الدولية وليس الإقليمية، ولم تكن متوجهة إلى سورية التي لا تمتلك أساساً مرافئ قادرة على استقبال هذا الحجم من الناقلات.
جاء هذا التصريح بعد أيام من الهرج والمرج والتحليلات حول وجهة هذه الناقلة العملاقة، وأنها قادمة إلى سورية، وتم احتجازها على هذا الأساس وليس بسبب الصراع الأمريكي الإيراني غير الخافي على أحد.
وكانت السلطات في مضيق جبل طارق قد قامت باحتجاز ناقلة النفط الايرانية (غريس ١) بناء على طلب أمريكي في الرابع من الشهر الحالي، بذريعة أنها كانت في طريقها إلى سورية وقد نددت إيران بالعملية، واصفة إياها بـ (الاعتراض غير القانوني) واستدعت السفير البريطاني لديها احتجاجاً على هذه القرصنة، وقد هددت طهران بريطانيا أنها ستحتجز ناقلة نفط بريطانية إن لم تفرج عن الناقلة الإيرانية.
فيما صرح مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون أن توقيف ناقلة النفط الإيرانية التي كانت متوجهة إلى سورية في جبل طارق (خبر ممتاز). وكتب على تويتر (إن بريطانيا اعترضت ناقلة النفط العملاقة (غريس 1)، المحملة بالنفط الإيراني إلى سورية في انتهاك لعقوبات الاتحاد الأوربي).
ويأتي احتجاز السفينة العملاقة (غريس 1) البالغ طولها 330 متراً في وقت حساس في العلاقات الأوربية الإيرانية بسبب الخلافات حول تخصيب اليورانيوم، فقد أعلنت الخارجية الإيرانية بدء خفض التزاماتها بالاتفاق النووي الموقع عام 2015 عبر زيادة نسب تخصيب اليورانيوم المتفق عليها مع أطراف الاتفاق.
وقال مسؤولون إيرانيون كبار، في مؤتمر صحفي نظمته مؤسسة الطاقة الذرية الإيرانية، إن طهران ستواصل تقليص التزاماتها كل 60 يوماً ما لم تتحرك الدول الموقعة الأخرى على الاتفاق لحمايته من العقوبات الأمريكية، لكنهم تركوا الباب مفتوحاً أمام الدبلوماسية.
وقد طالبت إيران الحكومة البريطانية بإطلاق سراح الناقلة، إلا أن لندن تقول إنها احتجزتها في إطار العقوبات الأوربية المفروضة على دمشق.
وتواصل إيران توريد النفط الخام للدولة السورية منذ سنوات، بعدما فقدت الأخيرة السيطرة على حقول النفط في سورية بسبب الحرب.
ووفقاً للإحصائيات فقد سلمت إيران ما بين 2017 و2018 لسورية نحو 50 ألف برميل من النفط يومياً، تصل قيمتها إلى 3 ملايين دولار يومياً أو مليار دولار سنوياً.
ومع فرض العقوبات الأمريكية على طهران في تشرين الثاني (نوفمبر) 2018 توقفت إمدادات النفط من إيران إلى سورية، التي بدأت تعاني من عجز في مادة الوقود، لكن الشحنات استأنفت في الشهرين الماضيين، حسب ما نقلته (فردا) عن شركة (تانكر تراكرز).
وقد عرت هذه الحادثة التواطؤ والتخاذل العربي ضد سورية وإيران، في الوقت الذي اضطرت فيه هذه الناقلة أن تسلك طريقاً طويلاً جداً حول القارة الافريقية لتجنب المرور عبر قناة السويس، لتأمين إمدادات النفط الى سورية التي يتعرض شعبها لحصار طويل شامل وخانق من قبل منظومة الغرب وعملائها في المنطقة من أنظمة العمالة الخليجية والتحالف السعودي الإماراتي مع النظام المصري الذي يدعي تعاطفه مع سورية، ولكنه في واقع الأمر يمنع سفن الملاحة الإيرانية من المرور عبر قناة السويس.
وسلط تقرير لإذاعة (فردا) الأمريكية الناطقة بالفارسية الضوء على الأسباب، التي تكون قد دفعت ناقلة النفط (غريس 1) للالتفاف حول رأس الرجاء الصالح للتوجه إلى سوريا ولم تعبر قناة السويس، إذ إن الرحلة من الخليج إلى سورية عبر البحر الأحمر تستغرق يوماً واحداً.
ورغم المسافة القصيرة، إلا أن الناقلة (غريس 1) سلكت طريقاً مختلفاً وطويلاً يدور حول إفريقيا في رحلة تبلغ مسافتها 12000 ميل بحري للوصول إلى سورية، إذا كانت بالفعل وجهتها النهائية سورية.
عادة تمر ناقلات النفط العملاقة عبر قناة السويس بشرط أن تكون قادرة على اجتياز الأعماق التي لا تزيد عن الـ20 متراً، فإذا كانت الناقلة أثقل يتم تفريغ بعض النفط الخام الذي تحمله قبل دخول القناة وضخه عبر أنبوب إلى الجانب الآخر من القناة وتحميله من جديد.
ووفقاً للإذاعة الأمريكية فإن السعودية تملك حصة في هذا الأنبوب، ولن تسمح لإيران بالاستفادة منه. والاحتمال الثاني الذي تشير إليه (فردا)، أن يكون الأنبوب يستخدم لنقل الخام الخفيف أو شبه الخفيف، وليس الثقيل، الذي كانت تنقله (غريس 1).
وتتالت المواقف والتصريحات والتحليلات من جميع الأطراف حتى وضعت إيران حداً لسيل الاتهامات والانتهاكات، فهل حقاً لم تكن الناقلة متوجهة إلى سورية أم أنها حجة لحل الموضوع دبلوماسياً حتى لا يتطور النزاع الحاصل؟ ذلك أنه على ما يبدو تسعى عملية القرصنة الى التشديد على عزل إيران وحصارها بتوجيه من الولايات المُتحدة وإدارة ترامب وإضعافها إقليمياً ودولياً، بعدما تم إلغاء الاتفاق النووي وتصعيد المقاطعة والعقوبات الاقتصادية عليها إلى أقصى الحدود، بالترافق مع الضغط على دول الاتحاد الأوربي بمنع أي شركات أوربية أو غير أوربية من التعامل معها وأنها تتحايل على العقوبات المفروضة على الشعب السوري!
وتملك إيران أدوات مواجهة وضغط معروفة، إضافة إلى قضية المعتقلة البريطانية الجاسوسة من أصول إيرانية (نازنين زاغري)، التي ربما قد تفرج عنها طهران مقابل الإفراج عن ناقلة النفط، وقد تقوم طهران بتقديم شكوى ضد بريطانيا إلى المحافل والمحاكم الدولية والأمم المتحدة، وهذا نزاع قانوني طويل المدى ومشكوك في جدواه، ولدى إيران خيارات مفتوحة لكنها قد تفضل الحلول الدبلوماسية في ظل هذا الصخب وتتالي الأحداث والأعداء.
الضغط على إيران كبير في عدة ملفات، وهي تبرهن في كل مرة أنها قادرة على تلافي الأزمات وإيجاد الحلول أو إحداث توازن على الأقل في صراع الحيتان الدولي وجنون العظمة الأمريكي.
والمثير للسخرية كما اعتاد السوريون بالتعقيب على أي خبر أن يتم استخدامه في سبيل إطلاق النكات من قلب الألم والحصار والمعاناة، فقد تهكم كثيرون على أن هناك أزمة وقود قادمة ورفع للأسعار كما جرت العادة كاستغلال للحدث، وحجة جاهزة للحكومة لتبرير تقصيرها ضمن شماعة العقوبات والحصار، لكن بعد التصريح الإيراني الذي وضع حداً للطرف المقرصن بالدرجة الأولى، ولما قد تسول للحكومة نفسها أن تفعل، كما يرى الغالبية من أبناء هذا الوطن المتعب والذي يتعرض في كل يوم لانتهاكات في إنسانيته تمارس عليه على شكل قتل وحصار وعقوبات دولية بالإضافة للقرصنة الحكومية على قوته ومعيشته.
والجدير بالذكر أنه لم يصدر أي تصريح من الدولة السورية على الحادثة.
المجد للشّهداء، حماة الدّيار عليكم سلام.