لقاء الأحزاب الشيوعية العربية: دور الأحزاب الشيوعية في تجديد حركة التحرر الوطنية والتقدمية

اجتمعت الأحزاب الشيوعية العربية على مدار يومي الخميس والجمعة 20-12حزيران 2019 في بيروت تحت شعار (دور الأحزاب الشيوعية في تجديد حركة التحرر الوطنية والتقدمية). وحضر الاجتماع ممثلون عن عشرة أحزاب هي: الحزب الشيوعي السوداني – الحزب الشيوعي اللبناني – حزب الشعب الفلسطيني – الحزب الشيوعي السوري الموحد – الحزب الشيوعي العراقي- الحركة التقدمية الكويتية – المنبر التقدمي البحرين – حزب التقدم والاشتراكية المغربي – الحزب الشيوعي المصري- الحزب الشيوعي الأردني.

وقد مثل حزبنا الرفيق حنين نمر (الأمين العام للحزب) والرفيقان نجم الدين الخريط وحسيب شماس (عضوا المكتب السياسي للحزب).

  • عقدت الجلسة الأولى تحت عنوان: (القضية الفلسطينية والمشروع الأمريكي الصهيوني – حركة التحرر الوطني العربية – سبل المواجهة)

إن عقد هذا الاجتماع جاء في ظل تطورات هامة وخطيرة على المستويين الدولي والإقليمي، حيث تندفع الولايات المتحدة الامريكية في هجمتها على شعوب ودول العالم بهدف الحفاظ على موقعها كشرطي للعالم، حيث فرضت سطوتها طوال العقود الثلاثة الماضية بقيادة العالم في إطار الأحادية القطبية، لكنها ما لبثت أن وجدت نفسها في حالة تراجع مع تقدم الدول الصاعدة على المستوى الدولي كما على مستوى كل إقليم، وتحديداً الصين وروسيا ودول أخرى لتفرض موازين قوى جديدة وترسي معادلة العالم المتعدد الأقطاب في السنوات القليلة الأخيرة.

أكد المجتمعون أن التطور الأخطر الذي يواجه منطقتنا الآن هو مشروع (صفقة القرن) التي تقترحها الإدارة الأمريكية من أجل تصفية القضية الفلسطينية وإنهاء كل حقوق الشعب الفلسطيني، ومنها حق تقرير المصير وإقامة دولته الوطنية المستقلة وحق العودة للاجئين. وتأتي في هذا السياق (الورشة الاقتصادية) في البحرين لتشكل خطوة في هذا المشروع الذي لا يخدم إلا العدو الصهيوني على حساب الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة.

وقد أدان الاجتماع بشدة عقد هذه (الورشة) في البحرين واعتبر مشاركة أي دولة أو مؤسسة عربية في مؤتمر البحرين خيانة لقضية شعب فلسطين، ودعا إلى مواجهة شاملة لمشروع صفقة القرن والمشروع الأمريكي في المنطقة على كل المستويات وبكل الوسائل.

كما أدان الاجتماع الاعتداءات والحروب والاحتلال والعقوبات التي تمارسها الولايات المتحدة واسرائيل وتركيا وحلفاؤهم ضد كل شعوب المنطقة، ودعا إلى وقف فوري للحرب التدميرية في اليمن، وخروج القوات التركية من شمال سورية. وأدان المجتمعون استمرار الاحتلال الاسرائيلي لمرتفعات الجولان السورية، وقرار الإدارة الأمريكية الأخير بالاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان. وأكد المجتمعون دعمهم للحل السياسي للأزمة  السورية الذي يضمن الحقوق السياسية لكل شعبها، في إطار دولة علمانية ديمقراطية، ودحر المجموعات الإرهابية وتحرير أراضيها وانسحاب قوى الاحتلال منها. كما أكدوا رفضهم  لكل أشكال العقوبات التي تفرضها الإدارة الأمريكية على العديد من دول منطقتنا والتي تتسبب بأزمات اقتصادية تدفع ثمنها وتتحمل أعباءها شعوب المنطقة. ودعوا إلى إلغاء هذه العقوبات فوراً. كما أدانوا النهج الأمريكي في اصطناع الأعداء الموهومين، وسياسة واشنطن في التهديد وإثارة الحروب والنزعات والتلويح بالحرب على إيران إثر الحصار الاقتصادي المفروض عليها. و أدان المجتمعون الاحتلال الإسرائيلي للأراضي اللبنانية في مزارع شبعا وتلال كفر شوبا والغجر. والخروقات والاعتداءات البرية والبحرية والجوية ومحاولات السيطرة على ثروته النفطية.

وترى الأحزاب الشيوعية العربية أن شعوب المنطقة تعبر الآن عن معاناتها وألمها بسبب الإفقار والاستغلال والفساد والاستبداد وانسداد أفق التنمية، فتنتفض ضد حكوماتها وأنظمتها من أجل حقوقها. وتشكل انتفاضة الشعب السوداني مثالاً مهماً عن هذه النضالات من أجل التحرر ومن أجل العدالة الاجتماعية كما تبرز الحركات الشعبية في لبنان والجزائر والعراق والأردن والمغرب وتونس لتشكل تعبيراً عن فشل السياسات القائمة في مختلف دول هذه المنطقة. تلعب قوى اليسار دوراً مهماً في هذه الانتفاضات، وتحديداً الحزب الشيوعي السوداني الذي يلعب دوراً أساسياً في الانتفاضة الشعبية في السودان.

أكد المجتمعون أن أمن العالم واستقراره لا يمكن أن يتحقق إلا بمواجهة طموحات التوسع والسيطرة الإمبريالية، وآخرها الهجمة المتجددة على دول وشعوب أمريكا اللاتينية وعلى رأسها فنزويلا، وأكدوا دعمهم للشعب الفنزويلي في معركته الوطنية من أجل السيادة الوطنية واستكمال أهداف الثورة البوليفارية. كما أكدوا تضامن الأحزاب الشيوعية العربية  مع كوبا ضد الحصار الأمريكي الجائر المستمر عليها.

أكد المجتمعون أن الشيوعيون مطالبون اليوم، وأكثر من أي وقت مضى باستنهاض حركة التحرر الوطنية العربية وتجديدها من أجل صياغة مشروع مواجهة ضد الاحتلال والتدخلات والعقوبات، ومن أجل استكمال مهام التحرر الوطني والتغيير السياسي والاجتماعي ضد الاستغلال والهيمنة والقمع والاستبداد.

نمر: دور الأحزاب الشيوعية أساسي في مواجهة الإمبريالية

 

وقد ألقى الرفيق حنين نمر الامين العام للحزب – كلمة الحزب وأكد فيها: أن على الأحزاب الشيوعية ألا تفقد دورها المنتظر والمفروض عليها موضوعياً، بحكم موقعها الاستراتيجي وثروات بلدانها الهائلة، وحيوية شعوبها وإرثهم النضالي وتاريخهم الطويل المزدحم بالحركات الشعبية والثورات والأفكار. ومن أسوأ الأمور أن الإمبريالية العالمية اختارت سورية وجزأها الجنوبي، كي تحقق فيه اختراقها التاريخي الخطير، فكانت إقامة إسرائيل في عام 1948 ثم الحروب التالية لها في 1956-1967-1973 -1982… والمناداة بحروب جديدة .

إن تاريخ إسرائيل هو تاريخ الذبح والسحل والهدم واحتلال الأراضي وتشريد الناس وممارسة كل ما يشتهيه اللصوص والقتلة.

ومع ذلك سيسجل التاريخ أن هذا الشعب أي الشعب الفلسطيني، لم يركع ولم يستسلم للصهاينة بل بالعكس فقد انتقل من حالة التشتت والضياع إلى شعب منظم مقاتل، يؤهل نفسه للانتقال من الوضعية الدفاعية إلى الوضعية الهجومية.

وتابع الرفيق نمر قائلاً إن حالة الاستنفار الإمبريالي الصهيوني الرجعي العربي التركي عبر الأداة المفضوحة المسماة (صفقة القرن) إنما تدل على القلق الإسرائيلي الشديد من النهوض الشامل المتوقع أن تشهده الساحة الفلسطينية.

وأكد الرفيق حنين نمر أهمية أن لا يحصل أي تأخير بعد الآن  في نشاط حركة التحرر الوطنية العربية لأن الجماهير العربية لم تعد تغفر أي تقصير فضلاً عن أن نشاط الحركة هذا يشمل التغيير بكل أوجهه السياسي والنظري والاقتصادي والتنظيمي وغيره.

  • وعقدت الجلسة الثانية تحت عنوان (انتفاضات الشعوب العربية والحراك الشعبي – دور الحركة الشيوعية وآفاق المواجهة).

خريط: شعبنا مصمم على استعادة أرضه وسيادته وبناء مستقبله

ركزت مداخلة الحزب الشيوعي السوري الموحد التي ألقاها الرفيق نجم الدين الخريط على الحرب العدوانية الغاشمة  التي بدأت منذ ثماني سنوات على سورية، وجاء فيها: إن سورية تخوض حرباً  وطنية متعددة الأطراف  والجبهات، فقد شنت عليها القوى الاستعمارية في العالم وعلى رأسها أمريكا حملة تآمرية واسعة هدفت إلى إعادة رسم خريطة المنطقة وإخضاعها لمخططاتها الجيوسياسية فضلاً عن هدفها الأساسي في حماية أمن إسرائيل. وشارك في هذا العدوان على نحو مباشر وفعال السعودية ودول خليجية وإقليمية أخرى وخاصة تركيا. وفي الوقت ذاته اجتاحت الأراضي السورية جحافل مسلحة من قوى إرهابية (داعش) و (النصرة) وغيرهما. فقد صدّروا لنا الإرهابيين من جميع دول العالم.

وتمكنت هذه القوى المزودة  بأحدث الأسلحة ، والمدعومة بمئات الملايين من الدولارات من السيطرة على مساحات واسعة من أراضي سورية… وارتكبت أبشع الجرائم: سقط عشرات الألوف من الشهداء، ومئات  الألوف من الجرحى والمعاقين، وتحول نحو نصف السكان إلى نازحين أو مهجرين. وقامت هذه القوى الهمجية بتدمير  البنى التحتية من طرقات وجسور وآبار ومصاف نفط. ودمّرت المساكن والمساجد والكنائس، وحطمت معالم حضارية وآثارية بالغة الاهمية. وكل هذا الإجرام الممنهج تم بتخطيط من امريكا والغرب وبدعم من بعض دول الخليج، وتنفيذاً لما توعدت به الإدارة الامريكية على لسان وزيرة خارجيتها كونداليزا رايس من ما يسمى الشرق الأوسط الجديد.

جابهت سورية شعباً وجيشاً هذه الحروب القذرة بقوة وبسالة، وتمكنت بصمودها وبالتضحيات الهائلة التي بذلها شعبها وجيشها، وبالدعم الكبير السياسي والاقتصادي والعسكري الذي قدمه لها حلفاؤها المخلصين وخاصة روسيا وايران والصين وقوى المقاومة، من دحر هذا العدوان الغاشم وإعادة سيطرة الدولة السورية على معظم أراضيها.

لقد قدم الشعب السوري بكل قواه وأحزابه الوطنية الشهداء، وكان لحزبنا نصيب من الشهداء الشيوعيين الذين ارتقوا دفاعاً عن وحدة سورية واستقلالها.

إن المعركة ضد الإرهاب التي خاضها الجيش والشعب السوري وحلفاؤهم أثبتت قدرة هذا المحور في القضاء على الإرهاب وإفشال المخططات الأمريكية –الصهيونية، وأسقطت أوهام تفكيك سورية وتقسيمها. وباتت معركة القضاء على باقي فلول الإرهاب في إدلب أيام وأسابيع، لأن الشعب السوري مصمم على استعادة كامل الأرض السورية… وحل الأزمة سياسياً لإنهاء معاناة الشعب السوري وبما يضمن الاستقرار والأمان ووحدة سورية أرضاً وشعباً، ويفسح المجال لإعادة الإعمار وعودة المهجرين والنازحين قسراً إلى مدنهم وقراهم والعمل لبناء سورية الديمقراطية التعددية العلمانية.

لقاء في دمشق تضامناً مع الشعب السوري

اتخذ الاجتماع قراراً بتنظيم فعاليات تضامنية مشتركة مع فلسطين وسورية والسودان، وحدد النصف الأول من شهر آب لإقامة مهرجان خطابي جماهيري بدمشق يشارك فيه ممثلون عن الأحزاب الشيوعية العربية للتضامن مع الشعب السوري، وختم الاجتماع بفعالية كبرى بذكرى استشهاد الأمين العام الأسبق للحزب الشيوعي اللبناني الرفيق جورج حاوي وذكرى يوم الشهيد الشيوعي.

فعاليات مرافقة للقاء

بدأت هذه الفعالية بزيارة ضمت الوفود المشاركة في لقاء الأحزاب الشيوعية العربية، إضافة إلى العديد من أعضائه وقيادة الحزب الشيوعي اللبناني وعائلة الرفيق الشهيد حاوي إلى النصب التذكاري لحاوي، وقام المشاركون بوضع أكاليل الزهور على نصب الشهيد حاوي.

يوم الشهيد الشيوعي

نارا حاوي: دماء الشهداء لن تذهب هدراً

كما أقامت قيادة الحزب الشيوعي اللبناني مهرجاناً سياسياً  شارك فيه ممثلون عن القوى والاحزاب الوطنية اللبنانية والفلسطينية . ألقى فيه الرفيق فتحي الفضل (عضو المكتب السياسي والناطق الرسمي في الحزب الشيوعي السوداني) كلمة باسم الأحزاب الشيوعية العربية. ثم تلاها كلمة عوائل الشهداء ألقتها نارا حاوي ابنة الشهيد جورج حاوي قالت فيها : (أتوجه باسم عوائل الشهداء في هذا اليوم إلى ممثلي الأحزاب الشيوعية العربية في مناسبة لقائهم في بيروت، لاستنهاض هذه القوى كي لا تذهب دماء شهدائنا هدراً).

(في هذا اليوم لابد لنا إلا أن نقف منحازين لمبادئنا وقضايانا التي من أجلها استشهد هؤلاء المناضلين، من أجل حرية أوطانهم والعالم، ولابد لنا أن نتمسك نحن الشيوعيين، بتلك الأهداف السامية التي جسدتها الاشتراكية في أذهان الناس، من حب العدالة والمساواة والحرية والتقدم والسعادة…).

غريب: المقاومة خيارنا

واختتم المهرجان بكلمة الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني الرفيق حنا غريب قال فيها: (في يوم الشهيد الشيوعي، نوجه أسمى تحية إلى شهداء الحزب وإلى قوافل شهداء الأحزاب الشيوعية العربية وكل المقاومين للامبريالية والثائرين ضد الأنظمة الرجعية والقمعية، وهم يستبسلون اليوم أبطالاً على أرض فلسطين ضد الاحتلال الصهيوني وثواراً على أرض السودان).

(إن معظم  الاحداث والتطورات التي شهدتها منطقتنا في العقدين المنصرمين، تندرج في سياق هذا المسار الاستراتيجي الطويل الأجل، المحكوم بتحالف وثيق بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني والرجعية العربية). ورأى غريب (أن هذا التصعيد من قبل الولايات المتحدة والكيان الصهيوني والرجعية العربية ليس إلا جزءاً من التصعيد الشامل على المستوى الدولي، وهو تعبير يعكس تفاقم أزمة الرأسمالية وتراجع دور الولايات المتحدة الأمريكية وعجزها عن تنفيذ مشاريعها، بفعل الضربات التي تتعرض لها وفشلها في إسقاط الأنظمة التي أرادت إسقاطها من سورية إلى فنزويلا إلى كوبا وإيران وكوريا الشمالية مروراً بعدم قدرتها على التحكم بالتناقضات بينها وبين سائر الدول الاخرى من الصين إلى روسيا وصولاً بحلفائها في  دول الناتو  من تركيا إلى الاتحاد الأوربي. داعياً إلى مواجهة هذا المشروع المتجسد اليوم بـ(صفقة القرن) كمشروع بديل، وقال: (ولا خيار لنا ولشعوبنا العربية إلا مشروع المقاومة، مقاومة للتحرير والتغيير ضد الاحتلال الصهيوني والنهب الإمبريالي المباشر، وضد الاستغلال الطبقي للأنظمة المحلية وسلطاتها الوكيلة لها وإسقاطها).

العدد 1105 - 01/5/2024