عظمة الدولار أم نيران الإرهاب الاقتصادي؟

د. سنان علي ديب:

وما زال سعر صرف الدولار سراً باطنياً لا يعرف به إلا قلة، وما زال السؤال هل هذا السعر انعكاس للاقتصاد ويتناسب معه أم هو سعر اختياري متوافق عليه لتحقيق توازنات ومؤشرات معينة؟ وكلنا يعلم انعكاسات سعر الصرف على مختلف المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية وثقله كمؤشر ثقة عام عن قوة الاقتصاد. وكذلك استمر التساؤل هل هذا السعر هو نتيجة المضاربات واستمرار للإرهاب الاقتصادي الهادف لابتزازات سياسية لم ولن تقبل بها الدولة عبر الإرهاب العسكري وسط قوى إرهابية بأكثر أنواع الأسلحة تطوراً من أكثر من ثمانين دولة ووسط إرهاب اقتصادي عبر حصار وعقوبات غير شرعية ولا إنسانية لدول تدّعي أنها جسر الوصول وفرض الإنسانية والديمقراطية وحقوق الإنسان، بينما واقعياً هي العدو الأكبر ومانعة تطبيقها بكل الوسائل الممكنة.

إذاً ما ساقنا إلى مقالتنا هو تجاوز سعر الصرف حدود ٦٠٠ ليرة وسط ذهول شعبي وصمت حكومي ووسط مفاجأة للمتابعين والمراقبين لهذا الصمت عن أسعار وهمية لسوق سوداء مرئية وظاهرة وسهلة الضرب و الاجتثاث عبر أعداد صغيرة محمية لا تنتمي للوطن ولا لأي ذرة تراب أو دم ولبضع صفحات فيسبوكية تبث من الداخل أو من مناطق خارج سيطرة الحكومة أو الدولة او من مناطق محاذية حدودياً، لتكون هذه الأدوات الضعيفة الحجم ذات التأثير الكبير على فرض سعر صرف مهول ولاعب نفسي على المواطن وعلى الاقتصاد عبر توهينهم وسط ترقب وانتظار لما ستكون ردة فعل الحكومة عبر مصرفها المركزي وعبر قوة الجهات المختصة لتجفيف هذه البؤر، وكل هذا وسط ثبات سعر صرف المركزي ووسط أجواء كانت توحي بتخفيضه. فهذا الارتفاع كان في فترة شهر رمضان المبارك وفترة الأعياد وكلنا يعلم حجم التحويلات التي تأتي في هذه الفترة وفي فترة عودة الأهالي من الاغتراب والسفر، وفي ظل قرار بإعادة دولار التصدير وجدولة الاستيراد وفقاً لأولويات الاحتياجات الضرورية وفي وسط أدوات كثيرة تملكها الحكومة أمام بضعة فاسدين إرهابيين معادين لسورية وشعبها. وحتى نكون منصفين لم تكن مسيرة سعر الصرف خلال الأزمة واضحة أو تعكس الواقع العسكري والاقتصادي، ولا الواقع النفسي، فقد رأينا سابقاً كيف كان المصرف المركزي يتدخل لتثبيت السعر فوق سعر السوق السوداء رغم ما أتيح له من فرص كنا وقتذاك نتمنى أن يثبت بسعر جاهز لامتصاص أي ارتفاع فجائي ولمواجهة المضاربات وكنا نخمن أن لموضوع التحكم بالقدرة الشرائية عبر التضخم المصطنع تبرير، ولكن هناك آليات كثيرة للتحكم بالطلب بما يوافق العرض.

وبشكل عام السعر لا يأتي من العرض والطلب، وإنما كان الهدف التثبيت لأبعاد استراتيجية بنظرهم، ولكن لم نجد أي أبعاد لتثبيتهم ولم نجد مرونة بالسياسة النقدية التي هي استنساخ لبعضها ولو تغيّر المسؤول.

السياسة النقدية بشكل عام وسعر الصرف من أهم المقاييس والمؤشرات، وفي ظل سياسته التي تعتمد العرض والطلب للحالة النفسية أهمية قصوى في التأثير، لكن في حالتنا تمازج المضاربة وكما وجدنا سابقا كشفت حالات كثيرة لهذه الألعاب ورغم كشفها ومصادرة كميات ظل السعر وظلت السياسات نفسها. بشكل عام راهنّا على تخفيض سعر الصرف بما ينعكس على الأسعار والقوة الشرائية ويستعاض عن زيادة الأجور لردم الفجوة المعاشية ولكن لم يؤخذ بها مع أنه نظمت قوائم للحاجات الضرورية المستوردة إلا أننا في الفترات الأخيرة لاحظنا تصدُّر الكماليات وخاصة السيارات وغيرها، وكذلك التراخي في مواجهة السوق السوداء المحمية علناً ومنتشرة بكل المحافظات رغم صغرها. هذه الأسباب أثرت في الارتفاع الأخير المترافق بضجة إعلامية هدفها محاربة البلد اقتصادياً بعد أن فشلت المواجهات الإرهابية العسكرية.

أهم السبل هي الإعلام التوضيحي بشكل واقعي يشرح ما يجري ويعطي ثقة لم تفقد وسط أصعب الظروف، فكيف في الظروف المسيطر عليها؟ سياسة نقدية واضحة السلوك والأغراض ومواجهة السوق السوداء ومن يقف وراءها بعقوبات كبيرة لأنها تترافق مع محاولة تدمير البلد اقتصاديا، وضبط الاستيراد وخاصة أنه لا يوجد نقص بالاحتياطي. والتوقعات بدخول كميات كبيرة عبر زيادة التحويلات والسياحة وعودة جزء من الأموال المهربة نتيجة ظروف البلدان المحيطة والتدهور الثقوي المالي لمصارفها.

إن مفاعيل السلوكيات الاقتصادية ذات الخلفية الإرهابية واللاإنسانية خطيرة وخاصة في ظل ظروف غير مستقرة وغير مكتملة، للإحاطة التامة بمنعكسات الحرب القذرة وهي ما تستدعي تكافل وتعاون جميع القوى الوطنية وسياسات استنفارية استثنائية لاحتواء ما يخطط له من زيادة تهشيم المجتمع بانتظار لحظات جاهزة لبث الفوضى. وهنا لا بد من مواجهة الأدوات بقوة ومراجعة السياسات الماضية خلال الأزمة وخاصة النقدية وكذلك تصويب السياسات الإعلامية بمحتوى واقعي مقنع ويوضح للشعب ما يحصل ويشخص الواقع الذي كان هناك بعد عنه بحيث ظن الجميع أن الأزمة انتهت وعدنا لما قبلها. ويبقى تجار الأزمة والدم عنوان مساهم ومساعد في مساعي أعداء الإنسانية والوطن والتحول للمواجهة القانونية العنيفة بدلاً من الترقيع والسلوكيات الإعلامية واجب لحماية البلد. تحصين الشعب أهم أسس المواجهة ولا يطلب هذا الشعب إلا العدالة بما لدينا من إمكانات، والمساواة في الواجب الوطني وعدم المتاجرة بالدم الطاهر المقدس الذي سال. حان الوقت للسير بالاصلاح الإداري الشامل وفرضه لتكريس دولة القانون وتفعيل دور المؤسسات.

خبير اقتصادي

العدد 1104 - 24/4/2024