مـاذا تريـد واشـنطن ولنـدن من لبنـان.. ولمـاذا هـذا التدخـل السـافر بشـؤونـه؟!

د. صياح عزام:

شهد لبنان في الآونة الأخيرة ثلاثة تطورات أساسية تتعلق بالتدخلات الأمريكية والغربية في شؤونه الداخلية.

الأول منها: القرار الذي اتخذته الحكومة البريطانية بإدراج حزب الله اللبناني (الجناح السياسي منه) على ما تسمى لائحة المنظمات الإرهابية، علماً بأن جناحه العسكري مُدرج على اللائحة المذكورة منذ عدة سنوات.

والثاني هو مواقف ساتر فيلد (مساعد وزير الخارجية الأمريكية) أثناء زيارته للبنان التي مهدت لجولة بومبيو في المنطقة والتي شملت لبنان أيضاً، وقد تميزت مواقف ساتر فيلد بأعلى درجات التحدي لسيادة لبنان وبالوقاحة، من خلال تحريضه العلني لكل من التقاه في بيروت ضد حزب الله، محذراً من أن لبنان بأسره سيواجه عواقب وخيمة إذا لم يبتعد عن هذا الحزب!

والثالث: زيارة وزير الخارجية الأمريكي بومبيو لبيروت مؤخراً، في سياق جولة له في المنطقة التقى خلالها بعدد من المسؤولين اللبنانيين، وحرّضهم أيضاً ضد حزب الله، إلا أنه سمع كلاماً لم يسرّه من الرئيس اللبناني مشيل عون، ومن وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، فقد أكدا له أن حزب الله جزء من الشعب اللبناني وله ممثلوه في المجلس النيابي وفي الحكومة اللبنانية ومؤسساتها، وبالتالي هو مكون لبناني لا يمكن تجاهله.

بالطبع هذه المحاولات الأمريكية والبريطانية في ممارسة الضغوط على لبنان ليست جديدة، فقد جرت محاولات سابقة لجرّه إلى مستنقع ما يسمى بالربيع العربي وإحداث فتنة في داخله، إلا أن الشعب اللبناني وجيشه ومقاومته تمكنوا من تجنب هذه الفتنة ووأد هذه المحاولات في بدايتها.

بريطانيا هذه التي تعمل ضد حزب الله إرضاء لسيدتها الولايات المتحدة تبنت كما هو معروف منظمة أو جماعة (الخوذ البيضاء) التي امتهنت تمثيل وتنفيذ مسرحيات استخدام السلاح الكيماوي في إدلب وحلب والغوطة الشرقية، لاتهام الجيش العربي السوري بذلك، وبعد افتضاح هذا الأمر، هرب عناصرها إلى بريطانيا التي احتضنتهم. والأغرب من ذلك موقف السفير البريطاني في لبنان كريس رامبلينغ، عندما قاطع نشاطات لوزارة الصحة اللبنانية، لأن الذي يتولاها محسوب على حزب الله وليس عضواً فيه! وهذا بالطبع موقف رخيص يدل على حقد على المقاومة اللبنانية.

أما الولايات المتحدة فهي قادت وماتزال أشرس حملة تحريض على حزب الله بالتنسيق مع ربيبتها إسرائيل، محذرة اللبنانيين بأنهم بين خيارين لا ثالث لهما:

إما الالتزام بأوامر الابتعاد عن حزب الله، وإما أن يستمروا في التعايش معه في الضاحية الجنوبية والاستعداد لتلقي المزيد من العقوبات على لبنان بأسره.

وهنا يبقى السؤال المهم وهو عن المسطرة التي تقيس واشنطن بواسطتها خطوات وأبعاد قراراتها ومواقفها، هذا السؤال يبقى مشروعاً والإجابة عنه معروفة من خلال سياسة الكيل بمكيالين التي تتبعها واشنطن، والأهم انحيازها الأعمى لكيان الاحتلال الإسرائيلي، خاصة في ظل ولاية الرئيس ترامب الذي أعطى إسرائيل ما لم تكن تحلم بتحقيقه، بدءاً بالاعتراف بالقدس عاصمة لهذا الكيان، ونقل السفارة الأمريكية إليها، مروراً بالاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل، وانتهاء بصفقة القرن التي سيعلن عنها بعد انتخابات الكنيست في شهر نيسان الحالي، لتصفية قضية فلسطين بشكل نهائي وفق ما تريده إسرائيل.

إن مواقف الدولتين الولايات المتحدة وبريطانيا ضد حزب الله اللبناني، هو جزء من سياساتهما المدمرة تجاه المنطقة العربية، ولاسيما في مجال دعمهما لما يسمى (الربيع العربي) وتزويد أدواته بالسلاح والمال والمعلومات وغير ذلك، وكذلك دعمهما للحرب السعودية على اليمن منذ أربع سنوات.

إذاً، يتضح أن مواقف الدولتين (الولايات المتحدة وبريطانيا) من حزب الله تهدف إلى تفجير لبنان من الداخل وإعادته إلى مناخ الفوضى والاقتتال الداخلي، وإلا فما معنى أن يطلب مسؤولو الدولتين إخراج حزب الله من المعادلة السياسية والاجتماعية في لبنان، وفي حال عدم تنفيذ ذلك ستفرض عقوبات على لبنان؟

لقد بات الهم الوحيد للولايات المتحدة خاصة، استرضاء إسرائيل وكسب ودها، من خلال معاداتها لحزب الله، ولاحقاً لإيران وسورية، هذا أمر بات واضحاً للجميع، كما أن أسبابه (أي أسباب هذا العداء) لا تخفى على أحد، وهي أن حزب الله استطاع إلحاق الهزيمة بإسرائيل أكثر من مرة، وهو الذي وضح حداً لاعتداءاتها على لبنان التي كانت بمثابة نزهة لجيش الاحتلال.

على أي حال، حزب الله يعرف أنه مستهدف ليس الآن، ولكن منذ نشأته، ورغم العقوبات المفروضة عليه والتي يتم العمل الآن على تشديدها وتوسيعها لتشمل لبنان بأسره، فإن قدراته لمواجهة أي عدوان إسرائيلي تضاعفت مرات عديدة، وبالتالي فأية عقوبات جديدة لن تؤثر عليه، فله مناصروه ومؤيدوه وهو جاهز للرد على أية مغامرة عسكرية ضده.

العدد 1104 - 24/4/2024