كي لا ننسى | عبد السلام جالا..  بوابات العالم مفتوحة له رغم السجن

يونس صالح:

عبد السلام جالا، ابن مدينة حلب الشهباء، المدينة العمالية السورية الأولى، ذات التراث الكفاحي العريق ضد الاستعمار العثماني والفرنسي فيما بعد، منها خرج كبار المتنورين في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، مثل عبد الرحمن الكواكبي وغيره، وكذلك كبار الوطنيين الذين وضعوا مع غيرهم لبنات الاستقلال الأولى، ومنها خرج أيضاً كبار رجال الثقافة والفكر والفن في سورية، ولمعت أسماؤهم على النطاق العربي، وفيها نشأت أولى حلقات رواد الحركة العمالية في البلاد التي قدمت التضحيات الكبرى على طريق تعزيز الاستقلال، ورسم طريق للتطور تتجذر فيه قيم الحرية والعدالة والإنسانية.

في هذه المدينة الرائعة التي قدمت الكثير من أجل رفعة سورية، ومن أجل مستقبل مشرق لشعبها، ولد هذا الابن البار للطبقة العاملة في مدينته عام ،1937 تيتّم وهو صغير لم يبلغ عمره الـ40 يوماً، وعرف مرارة اليتم، ودفعته ظروف الحياة القاسية وواقع أسرته المعيشي الصعب، أن يذهب إلى العمل وهو يافع بعد، عمل في الكثير من المهن، وتعرف على حياة عمال بلاده، وعلى معاناتهم التي كان يشعر بها، وكانت تهزه حتى الصميم. في أوائل الخمسينيات انخرط في صفوف الحركة العمالية الناهضة آنذاك، وشارك في جميع نضالاتها الهادفة لتوطيد الاستقلال، وتحقيق تطور اقتصادي اجتماعي يخدم مصالح الأكثرية الساحقة من الشعب، وضد الأحلاف والديكتاتوريات، ومن أجل الحريات الديمقراطية، ونشط في المجال النقابي، وأصبح عضواً قيادياً في نقابة عمال البناء في حلب.

تتعرض القوى التقدمية والديمقراطية أثناء الوحدة عام 1958 للاضطهاد والملاحقة، ويزج بآلاف الشيوعيين والديمقراطيين في السجون، لسبب واحد: أنهم أرادوا أن يكتب للوحدة النجاح على أرضية راسخة، من خلال عدم الارتجال في إقامتها.

يعتقل عبد السلام ويزجّ به في السجن ويبقى أشهر عديدة، يسلّم بعدها لأهله على أنه قد فارق الحياة، بيد أنه يتعافى، ويتابع نضاله سراً، منفذاً كل المهمات التي كان يكلف بها. في عام 1967 يتوجه إلى مدينة الطبقة، ويعمل هناك في مهن متعددة أيضاً، وهو أحد المساهمين في بناء سد الفرات العظيم، ويعتبر أحد مؤسسي منظمة الحزب الشيوعي هناك، فقد أصبح عضواً في منطقيتها لدورات عديدة، وسكرتيراً لها لدورات عدة أخرى، وأصبح عضواً في مكتب نقابة عمال سد الفرات وفي مجلس اتحاد عمال المحافظة.

إن هذا المناضل وهب كل حياته من أجل سعادة الشعب، وعندما كان في السجن في زنزانته الانفرادية كي يتم عزله وإعدامه ببطء، بقيت بوابات العالم مفتوحة له رغم إغلاق بوابات سجنه. كان هذا المناضل يشيع التفاؤل أينما حل، رغم كل ما كان يتحمله من آلام، ورغم كل الصعوبات والمحن التي عاشها، مع جيله من المناضلين، ليتم تكريس تقاليد الحركة العمالية، لا لأجل الماضي، الذي رحل في البعيد ولن يعود، وإنما لأجل المستقبل الذي يجب أن يكون مشرقاً والذي غرس لبناته الأولى أمثال عبد السلام الذي يجب أن لا يُنسى.

العدد 1104 - 24/4/2024