القدس ماضٍ وحاضر تغطية خاصة بفعالية مؤسسة القدس الدولية (سورية)

سليمان أمين:

ضمن فعالية حملت اسم (القدس ماضٍ وحاضر)، وبالتعاون مع جامعة دمشق، كرّمت مؤسسة القدس الدولية (فرع سورية) عدداً من الأسرى السوريين والفلسطينيين المحررين من سجون الاحتلال الإسرائيلي، وذلك يوم الاثنين الواقع في 22/4/2019، في المدرّج السادس بكلية الآداب بجامعة دمشق. وبهذه المناسبة، وضمن جلسة علمية أدارها الأستاذ الدكتور عدنان مسلّم (نائب عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية)، ألقى الأستاذان د. عمار النهار (أستاذ التاريخ الإسلامي في جامعة دمشق)، ود. إبراهيم خلايلي (المختص بتاريخ الشرق القديم)، محاضرة مشتركة تناولا فيها محطات هامة من تاريخ مدينة القدس المحتلة في أهم عصورها التاريخية، وقد بدأ د. عمار النهار الحديث عن الوعي التاريخي الذي معناه وعي يتجسد ويوصل إلى إرادة مقاومة. ورأى أن الصهيونية تقوم على ثلاثة أعمدة هي الدين اليهودي، واللغة العبرية، والتاريخ المزعوم، وأن هناك محاولات مستميتة لتدعيم هذه الأسس وخصوصاً التاريخ الذي يحاولون أن ينسبوه كاملاً لأنفسهم. وتساءل د. النهار: هل نجحوا في ذلك؟! وأردف إنهم بالفعل نجحوا، بسبب ضعف الوعي الشعبي تجاه التقاليد والفلكلور الفلسطيني، إذ نجد استخدام ونسب الشيكل الكنعاني للعبريين، وهو الآن مستخدم عند الصهاينة، وأيضاً الزي الشعبي الذي يشارك به الصهاينة في المحافل الدولية وكأنه زيّ (إسرائيلي) مثل الكوفية أيضاً، والنباتات كالليمون وغيره والأطعمة والفلكلور كالدبكة (السحجة) وغيرها الكثير، وتحدث د. النهار عن أن طريق العودة واستنهاض الوعي التاريخي إنما هو مهمة طلاب ومدرّسي التاريخ الذين عليهم العودة إلى المصادر التي تختص بالقدس، وأما المخطوطات والوثائق فعددها كبير جداً ومنها البرديات وغيرها، إضافة إلى الجديد وهو وثائق الحرم الشريف وعددها كبير أيضاً، ولا تزال مهملة ولا تتجاوز الدراسات عنها عدد أصابع اليد الواحدة، وأضاف: شُرِّفنا في جامعة دمشق بدراسة عن وثائق الأقصى كإحدى الرسائل الجامعية تحت إشرافنا. وتابع د. النهار القول إن الكثير من الدارسين والمختصين بعيدون عن هذا، بل قد يزيدون الطين بلة بموافقات قد تفيد الصهيونية كأكذوبة (السبي البابلي) وجعلها حقيقة تاريخية، ولا ننسى دور الإعلام بتأييد هذا كما حدث عند غزو العراق، وذكر بعض وسائل الإعلام العربي أن الغزو هدفه الاطلاع على وثائق السبي البابلي، وكأننا نقرّ بالغزو البابلي. وهذا كله منشؤه نقص الوعي التاريخي.

وسلّط د. خلايلي الأضواء على محطات أساسية في تاريخ القدس القديم كإشكالية بحثية ترتبط بهذه المدينة الكنعانية، تبدأ ببعض أسمائها الواردة في الوثائق القديمة وكتب الدين، وجل التفاسير لهذه الأسماء، ومناسباتها التاريخية والدينية، وارتباط ذلك بالمكتشفات الأثرية وتاريخ تأسيس المدينة والغموض المحيط به وعلاقتها بالمدن الكنعانية، سواء في فلسطين، أو في العالم الكنعاني عموماً.  كما تناول ما تعرضت وتتعرض له مدينة القدس من محاولات صهيونية لإخراجها من دائرة المدن الكنعانية الرئيسية في المنطقة، وذلك ضمن إطار عملية التهويد التي تستهدفها، والتي تصاعدت وتيرتها في مطلع القرن الحادي والعشرين، مرة بالترويج لأبحاث ودراسات حول وجود مركز مملكة توراتية ومعبد توراتي في القدس، ينفي كتاب التوراة نفسه حقيقتهما، إضافة إلى انعدام الشواهد الأثرية حولهما، ومرة بالترويج لموضوع التأسيس المتأخر للمدينة، بما يسهم في طمس هويتها الكنعانية القديمة، وكل ذلك عبر بحوث تفتقر إلى الدقّة والمصداقية، وكذلك عبر مشاريع أثرية إسرائيلية دولية مسيّسة تمت في العقدين الماضيين ومهّدت بشكل أو بآخر لإعلان الولايات المتحدة في السادس من كانون الأول عام 2017 القدس عاصمةً للكيان الاسرائيلي. وفي إطار تاريخ مدينة القدس قّدم د. خلايلي لمحة تاريخية عن تلك المدينة الكنعانية التي سجّلت حضورها كموقع أثري في الألف الرابع ق.م وفي الفترات اللاحقة للألف الرابع، وذلك دون التثبُّت من اسمها الأصلي، على الأقل حتى نهاية الألف الثالث ق.م. كما تحدث د. خلايلي عن بعض الإشكاليات والطروحات الجديدة المستهدفة لمدينة القدس وقدّم بعض الردود عليها، وأشار إلى أنه في إطار سعي السلطات الصهيونية لاحتلال التاريخ بعد احتلال الأرض، أشرف المؤرخون الإسرائيليون على (دراسات) جعلت من المدن الكنعانية –ومن ضمنها مدينة القدس- مدناً في دائرة التهويد مستغلّين بعض الروايات التوراتية المختلقة، ومبتعدين تماماً عن روايات من الكتاب نفسه تنقض وتفنّد مزاعمهم، كما أكد الباحث الخلايلي أنه لا يمكن الوثوق بنتائج الحفريات الأثرية التي يقوم بها الاحتلال الاسرائيلي أو يشرف عليها في المواقع الأثرية في فلسطين المحتلة، فهذه الحفريات تلغي حقباً تاريخية ومراحل أساسية من تلك المواقع، ومنها القدس، بما يتناسب مع سياسة الكيان الاسرائيلي في احتلال التاريخ بعد احتلال الارض، وذلك بتزوير نتائج الحفريات وإخفاء الكثير منها، إضافة إلى التلاعب بالتسلسل الزمني (الكرونولوجي) في المنطقة بأسرها، ضمن مشاريع يهدف بعضها إلى محو وجود أهم المدن الكنعانية في الألف الثالث ق.م. كما أكد أن معطيات كتاب التوراة تؤكد وبدقة أنه لا توجد حضارة أو مملكة تحمل اسم (إسرائيل) أو (يهودا). ورأى أنه بعد التدقيق في تلك المعطيات لا داعي لانتظار نتائج حفريات لأنها لن تثبت شيئاً من ادعاءات التوراتيين، ومن ناحية أخرى سيلجأ من يقف وراء تلك الحفريات في الكيان المحتل إلى تزوير النتائج والمعطيات بأساليب مختلفة.

وبعد هذه القراءة التاريخية عرض الأسرى المكرمون تجاربهم المريرة في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وألقوا الضوء على معاناتهم في تلك السجون عبر سنوات طويلة، مؤكدين وجود آلاف الأسرى العرب والفلسطينيين الأبطال الذين يتوقون إلى الحرية، متمسكين بمبادئهم وهويتهم الوطنية والقومية.

وفي ختام الفعالية قام الدكتور خلف المفتاح مدير عام مؤسسة القدس (سورية) والدكتور عدنان مسلم نائب عميد كلية الآداب بتسليم السادة الأسرى المحررين شهادات التكريم.

العدد 1104 - 24/4/2024