كي لا ننسى | ثريّـا الحافــظ.. الرائدة في الحركة النسائية الديمقراطية

يونس صالح:

ثريا الحافظ، تلك المناضلة الدمشقية التي كرست زهرة شبابها وحياتها الواعية بأسرها للقضية الوطنية، وقضية العدالة الاجتماعية، هذه المناضلة يجب أن لا يضيع تراثها البطولي، في زحمة الأحداث الكبيرة التي تشهدها منطقتنا، ويشهدها العالم.

انحدرت من عائلة وطنية معروفة في بداية القرن الماضي، فقد كان الاحتلال العثماني يجثم بكل ثقله على كاهل الشعب السوري، الذي كان يعاني من الفقر والأمية والاضطهاد، وكان الشباب السوري يساق إلى حروب الدولة العثمانية دون رحمة، يُقتَلون ويضحّون بحياتهم، لأجل مصالح الدولة العثمانية الإقطاعية.

إذاً، في هذه الظروف ولدت هذه الطفلة، التي سيكون لها شأن في حركة النضال ضد الاستعمار الفرنسي الذي حلّ محل العثمانيين، في عملية تقاسم المنطقة التي تمت بين الدول الإمبريالية النافذة آنذاك، وفي النضال من أجل التحرر الاجتماعي في البلاد. لقد دفع الوضع البائس الذي كانت تعاني منه جماهير الشعب هذه الشابة المرهفة أن تبحث عن أسباب هذه المعاناة، وعن طرق الخلاص، وقد وجدت هذا الطريق، وهي ابنة العائلة الميسورة، في أفكار التنوير التي كانت تشق طريقها بصعوبة بالغة وتضحيات جسام، كانت المرأة السورية خاضعة لاضطهادين: اضطهاد الاحتلال، اضطهاد المجتمع والعادات والتقاليد الظلامية التي كرستها قرون عديدة. إن هذه الشابة التي أتيحت لها الظروف للدخول إلى معارج المعرفة والعلم أخذت تعمل بدأب، وحماس لا ينضبان، كي تنخرط في حركة المجتمع التاريخية التقدمية، وإن كانت جنينية آنذاك، وتعرّفت، في هذا السياق وربما بالمصادفة، أو عن طريق إنسانة ناشطة في هذا المجال، إلى الحزب الشيوعي السوري_ اللبناني الناشئ، ووجدت فيه تدريجياً ما يعتلج في قلبها من مشاعر، فتنتسب وهي فتية إلى هذا الحزب الفتي أيضاً، المليء بالأحلام حول المستقبل المضيء للإنسانية. إذاً، كان انتسابها للحزب في بدايات نشاطه، ومنذ ذلك الوقت، ارتبطت مسيرة حياتها بمسيرة حياة هذا الحزب الكفاحية، خاضت معه جميع نشاطاته السرية والعلنية، وقدمت له خدماتٍ كبيرة لا يمكن أن تحصى، وقامت بتضحيات جلّى من أجل تنفيذ الكثير من المهام، وبالأخص في ظروف العمل السري، عندما تعرّض الحزب للملاحقة من قبل الفرنسيين، ومن قبل الدكتاتوريات العسكرية.

في مجال نشاطها النسائي، قدمت الكثير أيضاً للحركة الديمقراطية النسائية، عملت في لجنة حقوق المرأة اللبنانية، وفي رابطة النساء السوريات، وكانت مهماتها في الدفاع عن حقوق المرأة تستحق التقدير.

إن منزلها الذي كان يقع إلى جوار شارع العابد في دمشق كان مقراً إضافياً لكادرات الحزب وقادته.

إن ما قدمته هذه المرأة المتميزة، للحزب، وللحركة الديمقراطية في البلاد عموماً والحركة النسائية الديمقراطية على الأخص، لا يمكن تقديره بثمن، كانت حياتها كلها مكرسة من أجل تحقيق المثل العليا التي اقتنعت بها، مثُل الوطنية الصادقة، والعدالة الاجتماعية، مثُل المساواة بين الرجل والمرأة، وتحقيق تطور حر مزدهر لجميع أبناء الوطن وبناته، بصرف النظر عن الانتماء الجنسي أو القومي أو المذهبي.

إن تضحيات هذه المرأة الشجاعة تدخل دون شك في سجل أولئك المناضلين الذين وهبوا أعزّ ما يملكون من أجل تحرر الإنسان، يجب أن لا تُنسى، ويجب أن تبقى في الذاكرة.

العدد 1104 - 24/4/2024