الضغط الأمريكي على موسكو عبر الكنيسة الأرثوذوكسية

رزوق الغاوي:

باتت واضحة للعيان مساهمة البطريرك (برثلماوس) بطريرك القسطنطينية للروم الأرثوذوكس الصريحة جداً، من حيث يدري أو لا يدري، في غرس إسفين أمريكي جديد بين كييف وموسكو، واتخاذه قراراً سياسياً خالصاً عبر دفع الكنيسة الأوكرانية للانفصال عن الكنسية الروسية، بغية إحداث ذريعة جديدة تسعى الولايات المتحدة الأمريكية لاستثمارها في عملية الضغط السياسي، وبالتالي ضرب الأمن القومي الروسي عبر الساحة الأوكرانية، مع الأخذ بالاعتبار أن  انفصال الكنيسة الأوكرانية الذي شرَّعَهُ البطريرك (برثلماوس) سيؤدي إلى صدامات وصراعات دموية لتقاسم أملاك الكنيسة بين مختلف فروعها في أوكرانيا .

في أعقاب تلك المساهمة  التي أُريدَ تغليفها  بطابع كنسي إداري، للتغطية على جوهرها السياسي العدواني الموجّه أصلاً ضد روسيا الناهضة دولياً في مواجهة السياسة العامة الأمريكية، شَرَعَ البطريرك (برثلماوس) في حوار مع كنيستي مقدونيا ومونتينيغرو الأرثوذوكسيتين بهدف إجراء تنسيق بينهما وبين الكنيسة الاوكرانية بغرض أن يُفضي إلى الالتحاق بنهجها، ومن ثم الانفصال عن الكنيسة الروسية، ما قد يؤدي في حال تحقيقه إلى زرع بذور الخلاف بين جمهوريتي مقدونيا ومونتينيغرو من جهة وروسيا من جهة أخرى، على غرار ما حصل بين موسكو وكييف .

في موازاة دور البطريرك (برثلماوس) في المضي في تشجيع بعض الكنائس للانفصال عن الكنيسة الروسية، تنشط الكنيستان الأنطاكية والصربية ومعهما بعض الكنائس الأخرى في بذل كل الجهود الممكنة والسبل الكفيلة بمواجهة هذا التيار الانفصالي، والعمل بجدية للحفاظ على وحدة الكنائس الأرثوذوكسية.

وما من شك في أن واشنطن التي تقف وراء هذه الأزمة الأرثوذوكسية المفتعلة، تواصل العمل في هذا الاتجاه وتقوم بتشجيع الانقسام، وقد تبدَّى ذلك في ترحيب المبعوث الأمريكي الخاص إلى أوكرانيا (كورت فولكر) بقرار البطريرك، ما يؤكد أنّ بطريركية القسطنطينية باتت أداةٌ بيد الولايات المتحدة الأمريكية، وأنّ التحريض الذي يُمارسه برثلماوس أولاً تجاه الكنيسة الأوكرانية وتالياً تجاه كنيستي مقدونيا ومونتينيغرو يحظى بدعم أمريكي، يُضاف إلى ذلك ترحيب (مايكل كاربنتر) المسؤول السابق عن الشؤون الروسية في مجلس الأمن القومي الأمريكي، بانفصال الكنيسة الأوكرانية بقوله إن من حق الأوكرانيين أن تكون لهم كنيسة مستقلة، فيما يجري الحديث عن أن واشنطن عازمة على إقامة (ناتو مقدس) ضد روسيا قوامه بعض الكنائس الأرثوذوكسية التي تحتمي ببطريركية القسطنطينية، ما يدفع موسكو للتأكيد أن تسييس الانفصال الأوكراني من شأنه أن يؤدي الى عواقب أكثر خطورة، خصوصاً بالنسبة لمن يقفون وراء هذا التسييس.

العدد 1104 - 24/4/2024