كي لا ننسى | سلمون سعد.. المناضل المجهول الذي يجب أن لا ينسى

يونس صالح:

سلمون سعد، اسم مجهول، كثر هم الذين لم يسمعوا به، ولم يعلموا بوجوده، لكن ومع ذلك فإن اسمه حيٌّ في قلوب جميع من عرفه، في قلوب أبناء بلدته، قطّينة، المطلة على البحيرة الشهيرة التي يرويها العاصي منذ قديم الأزمان، والتي بنى سدّها الرومان خلال احتلالهم لسورية، وشهدت أحداثاً كبيرة وصغيرة عبر تاريخ يحتاج إلى الكشف.

في هذه البلدة الجميلة المطلة على هذه البحيرة، التي كانت يوماً منتزهاً لذوي الدخل المحدود، ومصدر رزق للصيادين الفقراء، الذين كانوا يستخرجون منها أسماكاً ذات لون وطعم خاصين، والتي أقفرت الآن بسبب التلوث، وغياب السياسة البيئية السليمة عن ممارسة الحكومات المتعاقبة عبر فترات طويلة، في هذه البلدة ولد الطفل سلمون سعد عام 1938 في أسرة فلاحية فقيرة، تعمل على تأمين قوتها بتعبها وجهدها، وكان والده أول فلاح في البلدة يتمرد على الواقع الحياتي الصعب لجماهير فلاحي منطقته، وأول من بدأ بنشر الأفكار الاشتراكية والشيوعية بينهم، أفكار العدالة الاجتماعية وأفكار مقاومة الظلم والاضطهاد.

ينتسب هذا الوالد إلى الحزب الشيوعي السوري الفتي آنذاك في أوائل الأربعينيات من القرن الماضي، ويبدأ نضاله الصعب البطولي، وهو يعي مقدار ما سيعانيه على هذا الطريق الشاق، سواء من المحتلين أو أذنابهم أو من الجهل والفقر. ولقد ورّث هذا الوالد الشجاع ابنه سلمون هذه الأفكار ووضعه على الطريق نفسها التي سار عليها، واثقاً أن الابن سيبقى حاملاً معه وبعده تقاليد الذين سبقوه في النضال.

ينتسب سلمون الشاب إلى الحزب الشيوعي أواسط الخمسينيات، ومنذ دخوله الحزب يضع نصب عينيه أن يبقى مخلصاً لنضالات والده، وأن يبقى ملتصقاً دون كلل بجماهير بلدته ومنطقته الفقراء.. يتعرض للملاحقات والإرهاب في عام ،1959 إلا أنه رغم كل شيء لم ينفصل عن أبناء بلدته، ورغم ظروف الاضطهاد الشديدة التي تعرّض لها التقدميون في البلاد، إلا أنه كان واثقاً، أن الشعب السوري سيتحد من أجل إعادة عجلة التطور التي توقفت وقتياً أثناء الوحدة إلى الحركة، وأن الشعب السوري سيأخذ المبادرة من جديد.

انتخبته منظمة بلدته الحزبية قيادياً في صفوفها، وممثلاً للحزب في نقابة عمال المصارف والتأمين في محافظة حمص، وقام بواجبه على أكمل وجه في كلا المهمتين، واستحق بجدارة احترام أبناء بلدته ومحافظته.

لقد بقي سلمون سعد وفياً لمبادئه حتى النهاية، لم تتزعزع قناعاته ولا خفّ إخلاصه لها كل حياته الواعية، ببسالة وتواضع، ودون أجر، وحتى النهاية.

إن أمثال هؤلاء المناضلين الشجعان يجب أن يبقوا في الذاكرة دائماً، لأنهم بتضحياتهم وإخلاصهم للشعب الكادح كانوا يعبرون عن المستقبل الذي يجب أن يكون أكثر عدلاً وأكثر إشراقاً.

العدد 1104 - 24/4/2024