الأمن الغذائي والسيادة الغذائية في جمعية العلوم الاقتصادية

النور- خاص – هناء علي يوسف:

تعرض الباحثان الدكتور نبيل مرزوق، والاستشاري حسان قطنا، لمفهومي الأمن الغذائي والسيادة الغذائية، في حلقة حوار ضمن نشاط جمعية العلوم الاقتصادية يوم الثلاثاء 18/12/2018.

بدأ قطنا عرضه مذكّراً بأهمية الأمن الغذائي الذي يعدُّ أولوية بالنسبة للإنسان، لشموله كل النواحي الاقتصادية والاجتماعية والبيئية التي تتكامل فيما بينها للوصول إلى تحقيق الحاجات الأساسية للإنسان في الحاضر والمستقبل، وهو هدف رئيسي من أهداف التنمية المستدامة الذي تعهدت دول العالم بدءاً من عام 2016 على تحقيقها استكمالاً لأهداف الألفية.

ويعد الغذاء أحد أهم الاحتياجات للسكان، وهو يتحقق من خلال تناسق السياسات والبرامج بين القطاعات الاقتصادية المختلفة كالزراعة والصناعة والتجارة، ويواجه تحقيقها في السنوات الأخيرة صعوبات كبيرة نتيجة للتغيرات المناخية وأثر الجفاف السلبي على الإنتاج الزراعي وتراجع الموارد طبيعية مع استمرار ازدياد عدد السكان وتغير الأنماط الاستهلاكية.

وتابع قطنا: لقد تركز تراجع الإنتاج الزراعي خلال فترة الأزمة على تراجع إنتاج القمح من 3.2 ملايين طن عام 2011، إلى 1.2 مليون طن عام 2017، كما تراجع إنتاج القطن من 470 ألف طن عام 2011، إلى 124 ألف طن عام 2017، وتراجع إنتاج الشوندر السكري من 1.4 مليون طن عام 2011، إلى 12 ألف طن عام 2017، أما إنتاج باقي الخضار والمحاصيل والأشجار المثمرة فقد استمر إنتاجها بكميات متوازية ومتوازنة نسبياً بين عام 2011 وعام 2017، كما تراجع إنتاج الثروة الحيوانية بالتوازي مع تراجع عدد قطيع المواشي وتوقف منشآت الدواجن عن الاستثمار، فقد تراجع إنتاج الحليب من 2.2 مليون طن عام 2011، إلى 2 مليون طن عام 2017. وتراجع إنتاج اللحم الأحمر والأبيض من 419 ألف طن عام 2011، إلى 310 آلاف طن عام 2017، كما تراجع إنتاج البيض من 3.3 مليارات بيضة عام 2011، إلى إنتاج 1.8 مليار بيضة عام 2017 (مع أن هناك جهات غير رسمية تشير إلى أن الإنتاج الحيواني تراجع 50% من حيث عدد القطيع وإنتاجه من الحليب واللحم والبيض، ويلاحظ أنها لا تتوافق مع الإحصائيات الرسمية، مما يقتضي البحث والتدقيق والمقاربة للوصول إلى الرقم الصحيح)، فقد استمر المزارعون باستثمار عوامل الإنتاج المتاحة لديهم لتأمين احتياجاتهم الذاتية من الغذاء وتوفير المنتجات الزراعية للسوق لتوفير موارد مالية لهم لتمكينهم من توفير سبل العيش لهم ولأبناء منطقتهم.

إن لتراجع الإنتاج الزراعي خلال فترة الأزمة سببين رئيسيين، الأول استمرار تضرر الزراعة نتيجة التغيرات المناخية والجفاف، وثانيهما ظروف الحرب والأضرار الناجمة عنها.

لقد واجه الدارسون والباحثون خلال الأزمة صعوبات كبيرة في قياس مؤشرات الأمن الغذائي، لعدم توفر قاعدة بيانات متكاملة ودقيقة، ولغياب القدرة على التحكم بقيادة عناصر الأمن الغذائي.

وحدد قطنا في ختام عرضه مؤشرات الأمن الغذائي بين أعوام 2011 و2017:

  1. وفرة الغذاء أو المتاح من الغذاء
  2. إمكانية الوصول إلى الغذاء
  3. استقرار وجود الغذاء
  4. استخدام وسلامة الغذاء

 

مرزوق والسيادة الغذائية

بدأ د. نبيل مرزوق عرضه بتحديد مفهوم السيادة الغذائية، فأوضح أن السيادة الغذائية هي حق الشعوب في أغذية صحية ومناسبة من الناحية الثقافية والمنتجة من خلال الأساليب المستدامة والسليمة بيئياً، وهي حقها في تحديد نظمها الغذائية والزراعية.

وأشار إلى أن المؤتمر العالمي للغذاء في عام 1974 أعلن أن (كل رجل وامرأة وطفل لهم الحق غير القابل للتصرف في التحرر من الجوع وسوء التغذية من أجل تطوير والحفاظ على قدراته الجسدية والعقلية).

وتعرف (الفاو) مفهوم السيادة الغذائية بأنه (مفهوم متعدد الأبعاد لدعم مكافحة الجوع وتحقيق التوازن الغذائي).

وقال مرزوق: يرتبط مفهوم السيادة الغذائية بالتشريعات والسلطة المركزية عبر ممثلي الشعب والمؤسسات والمجتمع المدني وقدرتها على تحديد سياساتها الزراعية دون تأثيرات خارجية، فعلى أهمية الأمن الغذائي، يجب تمكين الناس من الحصول على الغذاء، وتلعب القدرة الشرائية للمواطنين دوراً أساسياً هنا، فأيّ أمن غذائي إذا كانت المواد موجودة، لكن الحصول عليها يقتصر على المقتدرين؟!

وذكّر بأن الحرب الداخلية السورية عرّضت الأمن الغذائي لملايين السوريين للخطر، وجعلت نسبة كبيرة منهم غير آمنة غذائياً، وهيمنت قوى الأمر الواقع على الإنتاج الزراعي وتسويقه في مناطق سيطرتها، واستُخدم الغذاء كأداة حرب من خلال منعه عن الأطراف الأخرى والحصار لمناطق سيطرة المعارضة، ومنع عنها البذار والوقود والأسمدة والمبيدات بل ومياه الشرب، وتم الاستيلاء على أراضي ومحاصيل الأطراف المتنازعة، مما أدى إلى ازدياد التبعية والاعتماد على دول الجوار والدول الأخرى والإعانات للحصول على الغذاء، وتحول بعض المزارعين إلى زراعات تصديرية على حساب السوق المحلي التي أصبحت تعاني من اختلالات كبيرة في العرض والطلب وفي استخدام الموارد بما فيها البشرية.

واقترح مزوق حزمة من السياسات العاجلة والمطلوبة لمرحلة ما بعد الحرب:

1-تفعيل دور المجتمع المدني والقطاع الخاص من خلال منح الحريات العامة والخاصة وحرية التعبير والمحاسبة والمساءلة على الممارسات التي تنتهجها الأطراف المتنازعة فيما يتعلق بتحقيق الأمن الغذائي والسيادة الغذائية وتجريم استخدام الطعام كسلاح.

2- وضع خطة استجابة للعوامل المناخية التي أثرت على الإنتاج الزراعي على المدى القصير.

3- قطاعياً لابد من إعادة تأهيل القطاع الزراعي من خلال إعادة تأهيل الأراضي القابلة للزراعة التي تعرضت للإتلاف نتيجة العمليات القتالية من خلال إدراجها ضمن خطة زراعية خاصة تأخذ بالحسبان الآثار التدميرية نتيجة الحرب والآثار البيئية الناتجة عن مختلف أنواع الأسلحة المستخدمة وخاصة المحظورة منها.

4- إعادة تأهيل أنظمة الري والسدود والآبار الجوفية والارتوازية وتوفير المواد الأولية اللازمة لضخ المياه كالطاقة الكهربائية والفيول لإعادة العمل بالمضخات بأسعار مدعومة، إضافة إلى استئناف العمل بمشاريع الري الحديث وتوسيعها.

5- توفير البذار والأسمدة للفلاحين والأعلاف للمنتجين الزراعيين وإعادة تأهيل المداجن وزرائب الماشية التي تعرضت للتدمير أثناء الحرب.

6-وضع خطة لإعادة النازحين بسبب الحرب إلى مناطقهم ومدنهم وإعادة تأهيل المرافق العامة والمدارس والمستشفيات وتوفير قروض سكنية طويلة الأجل لإعادة إعمار المساكن.

7- مراجعة السياسات الزراعية التي انتهجتها الحكومة وإعادة تفعيل عمل صندوق الدعم الزراعي بهدف المساعدة على تنفيذ السياسات الزراعية والمساهمة في تحقيق الأمن الغذائي ورفع الكفاءة الاقتصادية للإنتاج وتعزيز قدرات المزارعين وتحسين شروط معيشتهم لتحقيق استدامة للأمن الغذائي.

في ختام العرض، قدم بعض الخبراء الحاضرين، وأعضاء جمعية العلوم الاقتصادية مداخلات حول ما عرضه الباحثان، وأكدوا أهمية الأمن الغذائي والسيادة الغذائية، وانتقدوا سياسات الحكومات المتعاقبة التي همشت الاقتصاد الحقيقي القائم على الزراعة والصناعة، وشجعت الاقتصاد الريعي، واقترحوا مجموعة من الإجراءات لتوفير الأمن.. والسيادة الغذائية.

العدد 1104 - 24/4/2024