“لمناسـبة الذكـرى السبعين لإطلاقه” .. الإعلان العالمي لحقـوق الإنسان بين الأوليات الضرورية والحاجات المستجدة

خليل البيطار:

(لما كان) الاعتراف بالكرامة للجميع أساس الحرية والعدل والسلام، وتناسي ذلك أفضى إلى أعمال همجية، وسيادة القانون مطلب عام، وتغييبه يفضي إلى الاستبداد والتمرد على الظلم، والدول الأعضاء في الأمم المتحدة وواضعو ميثاقها أكدوا الإيمان بالحقوق الأساسية والتعاون مع الأمم المتحدة لضمان مراعاة هذه الحقوق والحريات واحترامها عن طريق التعليم والتربية واتخاذ إجراءات قومية وعالمية لضمان الاعتراف بهذه الحقوق بصورة فعالة بين الدول والشعوب. من الديباجة والإعلان 10 كانون الأول 1948.

الإعلان تضمن ثلاثين مادة:  المادتان 201 تمهيديتان، الناس يولدون أحراراً متساوين، ولكل منهم التمتع بالحقوق والحريات الواردة في الإعلان دون أي تمييز!

المواد 3-8 عامة تتصل بالحق في الحياة والحرية والسلامة (3)، ومنع الاسترقاق والعبودية (4) وخطر التعذيب (5)، والحق بالاعتراف بشخصيته القانونية (6) والحق في الحماية من التهديد والتمييز (4). المواد من 8-12 تتصل بحقوق التقاضي: الحق في اللجوء إلى المحاكم الوطنية (8)، عدم التوقيف أو النفي التعسفي (9)، حق المثول أمام المحكمة على قدم المساواة مع الآخرين (10)، أن يعد بريئاً إذا لم تثبت إدانته قانونياً (1)، ألا يدان بسبب أعماله إذا كانت لا تعد جرماً وفقاً للقانون المحلي أو الدولي زمن ارتكابها (2) (11)، عدم التدخل التعسفي في الحياة الخاصة والأسرة والمسكن والمراسلات وحماية القانون لهذا الحق (12). المواد 13-17 حقوق فردية مثل التنقل والإقامة (13)، اللجوء (14)، التمتع بجنسية أخرى أو تغيير جنسيته (15)، الزواج عند البلوغ دون أي قيد بسبب الجنس أو الدين (16). المواد 18-20 يتعلق بالحريات الأساسية: الحق في حرية التفكير والمعتقد العلنيين، وتغيير عقيدته (18)، الحق في التعبير عن الرأي، وتلقي الأخبار وإذاعتها بأية وسيلة (19)، المشاركة في جمعيات سلمية دون إرغام (20). المواد 21-22 تتصل بحقوق المواطنة: الحق في إدارة الشؤون العامة لبلاده مباشرة أو عبر ممثلين مختارين بطريقة حرة (21)، الحق في الضمان الاجتماعي (22). المواد 23-27 تتعلق بحقوق فردية أساسية: الحق في العمل (23) والراحة (24) ومستوى المعيشة اللائق غذاء ومسكن وطبابة وخدمات أخرى (25)، الحق في التعلم (26) والثقافة والمشاركة الحرة في الأنشطة الثقافية والفنية وحماية إنتاجه الفكري أو الفني (27). المواد 28-30 مواد تتعلق بضمانات عامة وواجبات ومحاذير: توفر نظام اجتماعي دولي يوفر الحريات، وينتج أداء الواجبات (29)، عدم جواز تأويل أي نص في الإعلان يخول دولة أو جماعة أو فرداً هدم الحقوق الواردة فيه (30). تعرفون أن توقيت صدور الإعلان في 10/12/1948 له مدلوله: فقد سبقه إنشاء الأمم المتحدة عام 1945 عشية انتهاء الحرب العالمية الثانية، وتوقيع الدول المؤسسة على ميثاقها، وهيكلها، وتركيب مجلس الأمن الذي ضم خمسة أعضاء دائمين وعشرة يتم تبديلهم كل سنتين، وبعد إقرار النظام العالمي والمالي بعد مؤتمر بريتون وودز. وقد جرت مياه كثيرة وشبت حروب عديدة ذهب ضحيتها الملايين، بعد صدور الإعلان والميثاق وإلى يومنا: الحرب الكورية، حرب فيتنام، حرب الجزائر والحروب في البلقان، وإفريقيا والشرق الأقصى وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط. وتطورت وسائط النقل والقتل وتكنولوجيا المعلومات، وجرى توظيفها من جانب الليبرالية الجديدة المهيمنة لتخريب التنمية وتغيير الخرائط، واستعادة السيطرة على المستعمرات السابقة وتلويث المناخ، وتوتير الأوضاع في مناطق كثيرة من العالم، ومن منطقتنا، وسبب كل ذلك إهدار وتلويث المناخ وتوتير الأوضاع في مناطق كثيرة من العالم، ومن منطقتنا، وسبب كل ذلك إهدار الحقوق وهدم الحريات، وغدا الإعلان شبه منسي أو بلا أية ضمانات لتنفيذ بنوده. وما يهمنا أن نمسك كهيئات سياسية ومدينة ومجتمعية ونقابية بالخيوط الرئيسية في الإعلان ذات الأهمية بالنسبة لتطور مجتمعنا السوري، وبالمواد التي تكفل حق الحياة والسلامة والتعليم والتفكير والنشاط السياسي والنقابي والثقافي وحرية التعبير عن الرأي العلني عبر الوسائل المشروعة المقروءة والمسموعة والمرئية، وبما يكفل حق التقاضي وضمان خضوع الجميع للقانون دون استثناء، وهذه المواد هي 3 و8 و9 و10 و18 و19 و20 و21 و23 و26 ولا يقلل التركيز على هذه المواد من أهمية توفير ضمانات لتنفيذ نص الإعلان كله، وتجدر الإشارة إلى وجود مؤسسات وجمعيات في عدد من الدول الأوربية مثل الأمنيستي والعفو الدوليتين، تعلن أنها مدافعة عن حقوق الإنسان وعن نص الإعلان العالمي، وهي تمول فروعاً وجمعيات في دول العالم الثالث، وتقيم دورات للتدريب والتأهيل، لكن هذا الدور الذي تلعبه لا يراعي سيادة الدول، ولا يجري بالعلنية الضرورية لمثل هذا النشاط، وقد يستغل في كثير من الأحيان للتضييق على الحكومات، ويتخذ ذريعة للتدخل في الشؤون الداخلية لهذه الدول. وأرى أن متغيرات متسارعة ومشكلات راكمتها إدارات فاسدة وقوى متغولة محلية ودولية اقتضت تطور هياكل الأمم المتحدة، وميثاقها، وعهودها، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وآليات تطبيقه والضمان التي تلزم لذلك. فقد جرت أزمات مالية وتدخلات تعسفية انتهاكات لميثاق الأمم المتحدة، لكن الردع طال دولاً ضعيفة، وجرت جرائم ومجازر وإجراءات حمائية هددت حياة شعوب ودول كثيرة. وأرى أن الحاجات الفردية والاجتماعية في زمن العولمة تشمل حق امتلاك التقنية المتطورة، وحق الوصول إلى المعلومات والإحصاءات، وحق التمثيل المتوازن للشرائح الاجتماعية كلها، وأن يضمن حق استرداد الثروات المنهوبة والتحف والآثار، وأن يجري ضمان توزيع الثروة بعدالة، وضمان التأهيل للشباب واستقلال عيشهم المبكر عبر تعويضات بطالة ريثما يؤمن عمل ملائم لهم، ولابد من توفير بيئة نظيفة ووقف التغول على الغابات والمياه الجوفية والينابيع والأنهار والشواطئ عبر محميات وإجراءات رادعة وعبر نشاط دولي جماعي يضمن فعالية الانتقال إلى نظام عالمي إنساني بديل للنظام العولمي الإلغائي لكرامة البشر وسيادة الدول وحقوق الأفراد والشعوب. وأرى أن التحالفات الواسعة وتعميم التجارب الناجحة وأنشطة المتضررين والعلماء والشخصيات العامة والدبلوماسيين السابقين والمفكرين والأدباء وقادة حركات التحرر الوطني والحكماء في كل بلد كفيلة بتحقيق نقلة مهمة في هذا المضمار.

العدد 1104 - 24/4/2024