الإنسان السوري يكافح لـيعيش

حسن البني:

ما يشهده الإنسان السوري من ظروف قاسية جعلت من الصعب على أيّ إنسان في هذا العالم تصورها! فما عاناه خلال السنوات الماضية من حروب وأزمات، لا تزال حتى اليوم حاضرة في بعض المناطق وعواقبها وآثارها مدمّرة تُمثّل الهم الأكبر الذي يثقل كاهل السوريين عموماً بالألم والحزن على ما أصابهم من بلاء.

قد يُفكّر أحدنا أن يطرح هذا السؤال: ماذا ينقصنا لنعيش ونشعر بأننا بشر حقوقنا محفوظة وإنسانيتنا مُحترمة أسوة بالغرب؟

الإنسان السوري يقضي يومه كاملاً في الجري وراء لقمة عيشه، وهمومه الحياتية لا تنتهي مع نهاية اليوم، فهو يستيقظ منذ بداية النهار على مشاكل وهموم كثيرة قد تظهر من العدم، وتلوح في الأفق سحب لمفاجآت جديدة لم تكن بالحسبان، وقد تبرز معاناته أكثر عند رؤيته لحقوقه التي نص عليها الدستور، وهي تُنتهك دون حسيب أو رقيب، فهو يتعرّض لجميع أشكال الذل والإهانة والاحتقار، في سعيه الدؤوب لتأمين أبسط مقومات عيشه وأسرته، سواء في الشارع أو البيت أو العمل. فالدول الغربية المتقدمة لا تُعتبر أفضل منّا في شيء سوى أنها تحترم دساتيرها وبالتالي مواطنيها، وهذا ما نفتقده في مجتمعاتنا، فنحن نحلم ونأمل بأن نعيش بأمان واطمئنان، وأن نحصل على عمل وأجر مادي فيه تحفيز وتقدير للجهود الشخصية المبذولة أو الكفاءات لإنجاز هذا العمل وإنجاحه.

الإنسان السوري ليس بحاجة إلى يوم عالمي لإنصافه وحفظ حقوقه كإنسان فقط، بل هو بحاجة أكثر إلى من يقدره ويحترمه ويعترف له بصموده خلال سنوات الأزمة التي أنهكته وحطّمت معنوياته، على أن يكون هذا الإعتراف على المستويين المحلي والدولي، فالعديد من دول العالم تدخلت في الحرب التي شُنّت على سورية وشعبها، وبعض الدول المجاورة ساهمت في إشعال نار الفتنة بدل العمل على إطفائها حتى لا يصيبها ما أصابنا، لذلك لا نرى أمام المحافل الدولية من يدافع عن حقوق الشعب السوري، بل يذرفون علينا دموع التماسيح التي تدمع عينها بعد التهامها لفريستها، فهم يفرضون علينا عقوبات جائرة ويعتقدون أن هذه العقوبات قد تضعف البلاد عسكرياً وسياسياً، لكن ما يحصل هو العكس، فنتائج العقوبات والحصار الجائر أتت بنتائج عكسية خصوصاً على الفئة المتوسطة والفقيرة من الشعب، أما فئة الأثرياء والأغنياء والمتنفذين فهم آخر من تأثّر، فهُم يزدادون ثراء في كل يوم نزداد فيه فقراً، وهم يستفيدون من هذه العقوبات، باتخاذها حجّة للأوضاع الخدمية السيئة ولتبرير الفساد المنتشر، وفي كل ظهور لمسؤول ما في وسائل الإعلام، نجدهم جميعاً يضعون اللوم دائماً على العقوبات لتبرير فشلهم في حلّ الأزمة متجاهلين معاناة المواطن التي سببها سوء قراراتهم وإدارتهم للأزمة واعتمادهم على المعايير المزدوجة والثغرات والاستثناءات في القوانين، وهذا ما وضعنا أمام مفترق طرق طويل لتحقيق المساواة بين المواطنين والسعي لتحصيل حقوقهم.

لذلك أدعو شباب اليوم والغد، ألاّ يفرطوا بحق من حقوقهم، فنحن نعوّل عليهم لاستعادة ما خسرناه من كرامة وعزة نفس، فلا نريد أن يصل المواطن إلى مرحلة يصرخ فيها صرخة ألم على حاله كما صرخ في مسرحية ضيعة تشرين حيث قال كما أقتبس منها: (أنا المواطن.. أنا لا شيء).

العدد 1105 - 01/5/2024