لـم يعـد لإعلانـكم أي معنى

إيناس ونوس:

كثُرت الاتفاقيات والمواثيق الدولية، وتعددت المعاهدات والأيام العالمية لهذا الغرض أو ذاك، ومن ضمنها يوم العاشر من كانون الأول من كل عام مُذكّراً بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، واعتبار الاحتفاء بهذه الذكرى سنوياً نوعاً من تجديد العهود التي قطعتها الدول على نفسها وعلى بعضها صوناً لحقوق الإنسان في ظلّ الحروب والكوارث التي تعيشها البشرية منذ عقودٍ وعقود. غير أن نظرةً دقيقةً إلى ما يجري على الأرض، يجعل الصغير قبل الكبير يتساءل: ماذا فعلت المواثيق الدولية لكل البشر الذين هُجِّروا من بلادهم قسراً؟

ماذا أعاد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من حقوقٍ هُدِرَت بدافع الحقد والكراهية؟

أين حقوق الإنسان أمام أطفالٍ استيقظوا فاقدين الأهل، غير مدركين لما حلّ بهم وبأهلهم جرّاء وحشية البشرية؟

ما موقف المعاهدات ومشرّعيها أمام السوريين الموزعين هنا وهناك في ظلّ الحرب اللعينة، الذين فتحوا فيما سبق بيوتهم وقلوبهم لكل من هُجِّر وشُرِّد ولم يلقوا المعاملة بالمثل حتى من أقرب المقربين؟؟

ما مدى مساءلة حكوماتٍ كحكوماتنا في الداخل وقد ألغت كل معاني حقوق الإنسان حينما كبَّلت مواطنيها _ ولا تزال _ بأعباء البحث المضني عن أبسط واجباتها تجاههم كتأمين الغاز والمازوت والماء والخبز والكهرباء والتعليم والصحة؟؟

للأسف الشَّديد لم تعد تلك المواثيق تعني بشيء لطالما أنها حبرٌ على ورق، وفي أفضل الأحوال ما هي إلاّ مناسبات طنّانة ورنّانة للبعض (أشخاصاً أو حكومات) فيستعملونها خدمةً لمصالحهم الخاصة. أما الإنسان فلا أحد آبهٌ به ولا بحقوقه، كل ما يُطلب منه واجباته التي باتت تزيد عن طاقته وقدرته على التحمّل، فيتحوّل الوطن الأم إلى معنىً مجردٍ من كل المفاهيم والقيم، بينما يستهلك الوطن البديل/ المهجر ما تبقى من الكرامة والعمر والآمال مقابل حفنةٍ من مساعداتٍ يقدمها تصبُّ في نهاية المطاف في صالح مواطنيه وحكوماته فقط.

إن فكَّر أحدٌ بالنزول إلى الشارع وذكر للناس مصطلح الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مثلاً سيلقى الاستهزاء والسخرية، لا لأن الشارع السوري لا يفهم أو يعرف معنى ومضمون الجملة، بل لأنه بكل بساطة سيسأل ما معنى إنسان بدايةً قبل أن يفسح المجال للسائل لشرح معنى الحقوق والواجبات.

لم يعد السوريون وغيرهم من أبناء الأرض المهددون بالذُّل اليومي بكل أشكاله معنيون بمواثيقكم ومعاهداتكم ولا بمناسباتكم. فلتُحيوا ذكرياتكم وانتصاراتكم في الوقت الذي يبحثون هم فيه عن بعض نفَسٍ يبقيهم على قيد حياة!

العدد 1105 - 01/5/2024