زادت الاعتمادات.. وارتفـع العجز.. وجيوب المـواطنين فارغة!

كتب بشار المنيّر:

قدّمت الحكومة بيانها المالي حول مشروع الموازنة، الثامنة في ظل الأزمة التي ما تزال تداعياتها تعصف بسورية، رغم اقتراب النصر النهائي على الإرهابيين وداعميهم، وهي ظروف استثنائية بجميع المقاييس، فمفاعيل هذه الأزمة، وبخاصة الحصار الاقتصادي الجائر الذي فرضه التحالف الدولي المعادي لسورية بقيادة الإمبريالية الأمريكية، وغزو الإرهابيين، دمّرت هذه المفاعيلُ البشرَ والحجر والشجر، وتركت تأثيرها السلبي على مجمل النشاط الاقتصادي في البلاد، وتأثرت به القطاعات الإنتاجية العامة والخاصة، إذ تقدَّر قيمة الأضرار الناتجة عن مفاعيل هذه الأزمة حسب الخبراء الاقتصاديين نحو 400 مليار دولار. ودخل الاقتصاد الوطني مرحلة ركود انعكست لا على المؤشرات الاقتصادية فقط (كالناتج المحلي الإجمالي، ونسب النمو، والدين العام، وحجم التجارة الخارجية، وقيمة الليرة السورية مقابل العملات العالمية الرئيسية)، بل انعكست أيضاً على الأوضاع الاجتماعية لجماهير الشعب السوري، وخاصة الطبقة العاملة والفئات الفقيرة والمتوسطة.

صحيح أن تراجع الإيرادات العامة، الناتج عن مرحلة الركود التي يمر بها اقتصادنا الوطني، يمارس تأثيره على الإنفاق الجاري والاستثماري للحكومة، ويحجّم دورها في خلق فرص العمل، وزيادة الاستثمار في القطاعات الاقتصادية العامة، لكن هذا التراجع يمكن التخفيف من آثاره عن طريق تحفيز المشاريع الصغيرة.. وتعديل التشريعات الضريبية وملاحقة المتهربين ضريبياً.

جاء في بيان الحكومة المالي حول مشروع موازنة ،2019 حزمة من الأوليات التي ستتركز عليها جهود الحكومة في العام القادم، ولعل أبرز الهموم الغائبة عن هذه الأوليات هو الهم المعيشي الذي بات (بعبعاً) يؤرق الفئات الفقيرة والمتوسطة!

بلغت اعتمادات مشروع الموازنة 3882 مليار ليرة سورية، منها 2782 ملياراً للعمليات الجارية، و1100 مليار للعمليات الاستثمارية.

السمة البارزة في مشروع الموازنة هي تضخم الاعتمادات الناتج عن تراجع قيمة الليرة السورية أمام القطع الأجنبي، إذ جرى اعتمادها استناداً إلى سعر صرف يعادل 435 ليرة سورية للدولار الواحد، وهي تعادل نحو9 مليارات دولار.

يأتي مشروع الموازنة هذا بعد مؤشرات تشير إلى تقليص تأثير أدوات الحكومة على الأسواق، وتخفيض الدعم الحكومي لأسعار المواد الأساسية لمعيشة المواطن.

ونكرر هنا ما نبهنا إليه دائماً: إن خلق مناخ اقتصادي واجتماعي يغضب الجماهير الشعبية في الدول النامية المعادية للاستعمار والإمبريالية، كان هدفاً سعت إليه الولايات المتحدة منذ عقود، بهدف تقويض الأنظمة السياسية في هذه الدول، والاستعاضة عنها بأنظمة موالية، لذلك طالبنا مراراً بدعم الفئات الفقيرة والمتوسطة التي تعد الحامل الرئيسي لصمود سورية أمام غزو الإرهاب التكفيري.

تعد الموازنة العامة للدولة خطة مالية.. اقتصادية.. اجتماعية لعام قادم، وبهذا المعنى فهي تعبِّر عن نهج الحكومة للتأثير في الوضع الاقتصادي والاجتماعي في بلد ما، وهي أداة تستخدمها هذه الحكومة للتأثير في القطاعات الإنتاجية والخدمية، وتنفيذ سياستها الاجتماعية، وتحقيق أكبر قدر من الاستقرار. وتؤدي الموازنة، في الدول الساعية إلى التنمية الاقتصادية والاجتماعية، دوراً رئيسياً في إعادة توزيع الدخل الوطني بين فئات المجتمع، وذلك باقتطاع نسبة من أرباح ودخول الفئات الأكثر دخلاً، وتوزيعها على مشاريع تستفيد منها جميع الفئات الاجتماعية، كمشاريع البنية الأساسية والتعليم، والإنفاق الاجتماعي على الفئات الأكثر فقراً. لكن ما عبرت عنه وزارة المالية حول اعتماد الموازنة على الإيرادات المحلية فقط يثير القلق، فمادام الاقتصاد السوري مازال يعاني من الركود، فالبديل هو جيوب المواطنين، وهنا يكمن تخوّفنا من رفع معدلات الضريبة غير المباشرة التي تسنّ بقرارات وزارية دون الرجوع للهيئة التشريعية.

 

ملامح الموازنة العامة للدولة لعام 2019

1 – بلغ الحجم الإجمالي للموازنة 3882 مليار ليرة سورية، بزيادة تبلغ 695 مليار ليرة عن موازنة عام ،2018 أي بنسبة زيادة بلغت نحو 22%،خصص منها مبلغ 2782 مليارات للإنفاق الجاري، بزيادة بلغت 420 مليار ليرة، و 1100 مليارات للإنفاق الاستثماري وبزيادة بلغت 275 مليار ليرة عن عام 2018 أي بنسبة بلغت33%.

 

أولاً-الاعتمادات الجارية

1 – بلغ الدعم الاجتماعي حسب ما جاء في بيان الحكومة المالي نحو 1511 مليار ليرة سورية، وتم إظهار 811مليار ليرة منها في مشروع الموازنة، وظهر هذا المبلغ رغم  زيادة أسعار المشتقات النفطية التي ألهبت الأسعار، وتأثرت بها جميع القطاعات المنتجة؟

لقد أعلنّا سابقاً، ونعلن اليوم، أننا لا نؤيد رفع أسعار المشتقات النفطية والطاقة الكهربائية، إذ تتحمل الفئات الفقيرة والمتوسطة وقطاعات الإنتاج انعكاسات هذا الرفع على جميع السلع والخدمات.

2 – خصِّص 361 مليار ليرة لدعم الدقيق التمويني، رغم زيادة أسعار الخبز!؟ ونسأل هنا: ماذا عن السكّر والرزّ؟ هل توقّف دعمهما نهائياً؟!

3 – قدّرت فرص العمل التي يوفرها مشروع الموازنة بـ (69747) فرصة، منها 42280 فرصة في القطاع الاداري الذي يعاني تضخماً في عدد العاملين فيه ، في الوقت الذي يرفد فيه سوق العمل بأكثر من 150 ألف طالب للعمل سنوياً! ويبدو هنا أن الحكومة تعول على القطاع الخاص في توفير فرص العمل لهؤلاء، رغم تراجع جميع القطاعات المنتجة في هذا القطاع بسبب تداعيات الأزمة وغزو الإرهابيين.

 

ثانياً- الاعتمادات الاستثمارية

1 – بلغت اعتمادات الإنفاق الاستثماري 1100 مليار ليرة، أعطيت الأوّلية لمشاريع المياه ومشاريع الإدارة المحلية والزراعة والنقل والكهرباء والصناعة التحويلية، وهو توجّه صحيح ينسجم مع احتياجات المرحلة، ، وكنا وما زلنا نطالب بدعم الصناعة التحويلية في القطاع العام الصناعي، بعد أن همّشت مشاكل هذا القطاع في العقد الماضي، وهذا لا يتحقق دون زيادة الاستثمارات الحكومية في معامله ومصانعه، وتطويرها، وإنشاء صناعات جديدة.

2- ازدادت اعتمادات النقل بنسبة بلغت نحو 40%، في موازنة ،2019 إذ بلغت44 مليار ليرة، ونأمل أن تعالج هذه الزيادة معاناة المواطنين السوريين في جميع المدن من أزمة التنقل والانتقال بسبب غياب قطاع النقل الحكومي، ونتمنى أن تحول هذه الاعتمادات إلى شراء وسائل نقل جماعية، وأن لا يخصص منها لشراء السيارات السياحية للمسؤولين والمحظوظين.

2 – خصص ضمن الاعتمادات الاستثمارية مبلغ 433 مليار ليرة كاعتمادات احتياطية للمشاريع الاستثمارية، ونأمل أن تصرف هذه الاعتمادات، على تكملة المشاريع الاستثمارية، وإقامة مشاريع جديدة.

نحن مع تنفيذ المشاريع المحددة في الموازنة بتكلفتها الواردة فيها، والتدقيق في كل كلفة إضافية، ومتابعة مراقبة تنفيذ هذه المشاريع عن طريق تقارير التتبع الربعية، واستخدام هذا الاحتياطي لإصلاح القطاع العام الصناعي، وإنشاء مشاريع صناعية جديدة.

 

ثالثاً- الإيرادات العامة

بلغت في المشروع نحو2943 مليار ليرة سورية، منها 1881 ملياراً إيرادات جارية، بزيادة بلغت 22% عن عام ،2018 ونحو 810 مليارات إيرادات استثمارية، بزيادة بلغت 30% عن موازنة عام 2018.

وهنا نسأل الحكومة: كيف نتوقع زيادة الإيرادات الاستثمارية إذا لم نفعّل القطاعات المنتجة، وإذا لم نعالج مشاكلها الإدارية والإنتاجية، وإذا لم نضخّ الاستثمارات الجديدة لتحديث وسائلها المنتجة، وإذا لم نحسّن من مستوى تأهيل العاملين فيها؟!

1 – بلغت الضرائب والرسوم المباشرة 121 ملياراً، مرتفعة  من نحو 100 مليار في موازنة العام الماضي، وهو أمر إيجابي، ولم يظهر في المشروع قيمة الضريبة على الأرباح والريوع، ومن الطبيعي انخفاض الحصيلة الضريبية في حالة ركود الاقتصاد، لكن هناك من استغل الأوضاع الاستثنائية التي تمر بها بلادنا، وراكم أرباحاً فلكية بواسطة رفع أسعار المواد والسلع الأساسية، مما يستوجب ملاحقته ضريبياً، كذلك نرى أهمية ملاحقة المتهربين المزمنين من دفع ضرائب الأرباح والريوع والدخل المقطوع، بهدف زيادة حصيلة الضرائب المباشرة التي تعد الضريبة الأكثر عدلاً، وتخفيض الضرائب والرسوم غير المباشرة التي تفرض على الجميع دون الأخذ بالحسبان الفوارق بين الأغنياء والفقراء، ونرى أهمية تعديل التشريعات الضريبية باتجاه زيادة معدل الضريبة المباشرة على الأرباح الحقيقية.

2 – بلغت الضرائب والرسوم غير المباشرة 230 مليار ليرة سورية، بزيادة قدرها 35 مليار ليرة، وهنا نكرر ما سبق أن ذكرناه مراراً بأننا مع زيادة الضرائب المباشرة على الأرباح والريوع، وتخفيض الضرائب غير المباشرة التي يتساوى في دفعها الفقير والغني،ونؤكدعلى ماجاء في توصياتلجنة الموازنة والحسابات حول ضرورة سن تشريع ضريبي جديديراعي العدالة الضريبية.

 

رابعاً- عجز الموازنة

كيف السبيل إلى خفض العجز في مشروع الموازنة البالغ نحو 809 مليارات ليرة سورية؟ مشروع الموازنة وضع بعض الخطوات: كزيادة الفوائض الاقتصادية، وترشيد الإنفاق العام، ووقف الهدر، وتوجيه الدعم الحكومي إلى مستحقّيه، وإجراءات أخرى، لكن هذه الخطوات غير كافية حسب اعتقادنا، لذلك نرى ضرورة وقف التكسّب من الأموال العامة، ومكافحة الفساد الذي يفوِّت على خزينة الدولة مليارات، وترشيد استيراد المواد والسلع من الخارج، وعودة الدولة بقوة إلى ممارسة دورها في العملية الاقتصادية إنتاجاً وتسويقاً داخلياً وخارجياً عن طريق مؤسساتها المتخصصة التي هُمِّشت في العقد الماضي، وحلّ مشكلات القطاع العام الصناعي، وتسهيل إقراض الصناعيين الصغار والحرفيين وأصحاب المعامل والورش الصناعية الصغيرة في المناطق الآمنة.

 

خامساً- المشاريع الواردة في مشروع الموازنة

1 – نقترح إنشاء مصنع للعلف في محافظة حماة، ينتج الأعلاف الخاصة بالثروة الحيوانية، والدواجن، وذلك دعماً للمربين وتخليصاً لهم من تحكّم التجار بأسعار العلف المستورد، ولحماية هذه الثروة وتطويرها.

إنها ملاحظات سريعة على مشروع الموازنة العامة للدولة لعام ،2019 التي وضعت متأثرة بالظروف الناشئة في البلاد بعد أزمة عاصفة.. وحصار ظالم، وتدخّل مباشر من الحلف المعادي لسورية، وغزو إرهابي يسعى إلى تهديم كل ما بنته الأيدي السورية الخيرة عبر عقود.

ونحن على يقين من أن إنهاض اقتصادنا الوطني مرتبط أولاً بنجاح المساعي الدولية لحل الأزمة السورية سلمياً، وثانياً بالعمل على إعادة الإعمار بعد نجاح المساعي السلمية وفق خطة حكومية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة والمستدامة، بالمشاركة مع الرساميل الوطنية المنتجة، والاعتماد على الإمكانات الذاتية الكامنة في قوة وصلابة شعبنا، ومواردنا الغنية، وأيضاً على مساعدة الدول الصديقة.

العدد 1104 - 24/4/2024