المصارف.. والنمو

لا يمكن الحديث عن  نمو اقتصادي من دون وجود نظام مصرفي قوي، يؤمّن السيولة المالية اللازمة لتمويل النشاطات الاقتصادية، وتتلخص أهم نقاط الضعف في السوق السورية بالنقاط التالية:

هيكليتها المؤسساتية والبيئية التشريعية، التي لم تتمكن من تجاوزها فعلياً، إنها تواجه اليوم مشاكل جديد، لعل أولها الانخفاض في القيمة الفعلية لموجودات هذه المصارف، ثم كثرة القروض المتعثرة، والضمانات الوهمية للقروض، ذلك أن الضمانات في بعض القروض لا تكفي لسداد إلا نسبة زهيدة من المبالغ المستحقة.

إضافة إلى أن عملية الحصول على القروض في الكثير من الأحيان، يغلفها الكثير من الفساد، وبالتالي لم تساهم القروض كثيراً بتحسين الصناعة، رغم أن هنا الأمر كان الهدف الأساسي لتأسيس البنك الصناعي، ولم يتوقف مسلسل الاقتراض والتعثر في السداد، وكثير من الأموال ذهبت إلى جيوب بعض الفاسدين من الإدارات المتعاقبة واللجان التي كانت تقوم بتقييم الرهون العقارية ومدى حاجة المقترض الصناعي إلى قرضه، وكذلك المصرف العقاري الذي لعب دوراً مهماً في تأمين السكن بالتعاون مع الجمعيات التعاونية في السبعينيات والثمانينات من القرن الماضي، لديه اليوم قضايا تعثر كثيرة لا أحد يستطيع التكهن بمصيرها.

في معظم الدول التي تملك نظاماً مصرفياً متطوراً، تم تأسيس (مكتب الائتمان الوطني) يكون هذا المكتب بمثابة صلة الوصل بين جميع الجهات المقرضة في البلد، هذا المكتب الذي ترتبط به كل المصارف والمؤسسات التي تمنح قروضاً أو سلعاً بطريقة ائتمانية، لديه تفاصيل الحالة الائتمانية لكل شخص، أي كل المعلومات المتعلقة بالقروض التي حصل عليها، وسداده للقروض والالتزامات المترتبة عليه والدخول الشهرية أو السنوية التي يحصل عليها وغيرها.

السؤال الآن: كم ستكون كلفة تأسيس مكتب للائتمان في سورية؟

الجواب، أنه مهما كانت الكلفة فإنها لن تتجاوز نسبة ضئيلة جداً من الخسائر التي حدثت ومازالت تحدث، بسبب حالات الاحتيال والفساد. وهذا المكتب الائتماني سيكون فعالاً إذا ما زوِّد بالمتطلبات الحاسوبية المناسبة.

إن النظام المصرفي السوري، وخصوصاً المصارف العامة، تعاني عدة مشاكل جوهرية، أهمها يكمن في أنها لم تستطع إلى الآن تجاوز ضعف الاعتماد على التكنولوجيا مما يقلل من كفاءة العمليات فيها، وبقيت هذه المصارف كذلك خاضعة لعدد من القوانين التي تحكم سائر الجهات العامة، مثل القانون رقم 2 الذي يحكم عمل المؤسسات المملوكة للدولة، وهو قانون مرتبك فيه تدخل كبير من جهات متعددة في عمل المصارف التي تحتاج إلى كثير من المرونة والكفاءة، ولقد تجلى هذا الضعف في القطاع المصرفي أثناء الأزمة، فهو لم يتمكن من التعامل باحترافية، وخصوصاً بما يتعلق بسعر الفائدة، ذلك أن سعر الفائدة لم يساير بشكل حقيقي سعر الصرف والتوقعات حوله، بل إن التوقع بانخفاض سعر العملة الوطنية أدى إلى انخفاض الإيداعات بشكل كبير وانخفاض القيمة الحقيقية لموجودات المصارف.

وبسبب عدم حصول عمليات تحوّط واضحة، منيت البلد بخسائر كبيرة في الثروة الوطنية، ومازالت القروض المتعثرة تشكل ملفاً مهماً أمام الحكومات المختلفة، ولقد بقيت هذه الملفات تعالج كحالات، وليس كسياسات تعالج الأخطاء المرتكبة.

إن تطويراً حقيقياً للمصارف العامة ورفع كفاءة الإدارة فيها لا يتحقق إلا من خلال تطوير البيئة المؤسساتية وتحديث القوانين وتطبيق الحلول الحاسوبية المتطورة والربط الشبكي وإحداث مكتب للائتمان، فالتنمية تحتاج إلى الأموال ومن دونها لن تتحقق أبداً.

العدد 1104 - 24/4/2024