دروس الماضي والحاضر لنهوض الصناعة

فؤاد اللحام:

سبق أن تناولنا موضوع إعادة تأهيل الصناعة السورية في إطار عملية إعادة تأهيل الاقتصاد السوري برمته استعداداً لمرحلة ما بعد الأزمة، وأكدنا أن المطلوب ليس إعادة الصناعة السورية إلى ما كانت عليه قبل الأزمة فقط – على الرغم من كونها كانت في أزمة حقيقية – بل تحويل هذه الأزمة إلى فرصة حقيقية لتحقيق التنمية الشاملة والنهوض الاقتصادي.

عملية تحويل الأزمة الحالية إلى فرصة للنهوض تتطلب أولاً إجراء مراجعة وتقييم لوضع الصناعة قبل نشوب الأزمة وخلالها، وخاصة السنوات العشر التي سبقتها، وسنوات الأزمة السبع وما نجم عنها، واستخلاص الدروس السلبية والإيجابية منها في إطار تجاوز السلبيات وتعظيم الإيجابيات. وتتطلب ثانياً – بناء على نتائج عملية التقييم – وضع رؤية مستقبلية للصناعة تستند بشكل أساسي على وضع الصناعة إقليمياً ودولياً واتجاهات تطوره والدور الممكن والمستهدف الذي يمكن أن تلعبه الصناعة السورية في هذه العملية سواء على المدى القريب أو المتوسط والبعيد، وبشكل خاص فيما يتعلق بالصناعات المستقبلية.

استخلاص الدروس المستفادة من الأوضاع التي مرت وتمر بها الصناعة السورية سواء في مرحلة ما قبل الأزمة وخلالها، هو ما سنتناوله بشكل موجز في هذا المقال تمهيداً لتناوله بالتفصيل مع الجوانب الأخرى في مقالات قادمة.

وبالطبع لن نتوقف عند جميع الأسباب والدروس، وإنما نتناول أهمها – من وجهة نظرنا – مما كان له الأثر السلبي الأكبر على وضع الصناعة السورية والاقتصاد السوري عموماً خلال الفترة المذكورة، وهو ما يمكن إيجازه بما يلي:

1 الانفتاح الاقتصادي والتجاري المتسرع، وتغليب الجانب السياسي على الجانب الاقتصادي، في الوقت الذي كان من المفترض والمطلوب عكس ذلك، أي تغليب الجانب الاقتصادي على الجانب السياسي بما يخدم مصلحة الاقتصاد الوطني، أو على الأقل تحقيق التوازن والتعادل بينهما.

2 إصدار قرارات وتشريعات دون تدقيق ولا تقييم لآثارها ولنتائجها، والتأكد من توفير الظروف المناسبة لتحقيق الغاية المرجوة منها، الأمر الذي جعل مصير بعضها الحفظ في الدروج أو التفريغ والانحراف عن غايتها خلال التنفيذ، أو إصدارها بشكل (مسبق الصنع) لصالح أفراد معروفين.

3 نقل تجارب دول أخرى دون التمعن بمدى ملاءمتها للواقع السوري والتأكد من توفر الظروف المناسبة لتطبيقها ونجاحها، وبشكل خاص ما يتعلق بأولويات القطاعات والأنشطة الاقتصادية.

4 التأجيل والتسويف في معالجة العديد من المشاكل والصعوبات والتهرب من مواجهة ما ينجم عنها، وفي مقدمتها إصلاح القطاع العام.

5 إسناد المسؤوليات في مفاصل هامة وحساسة لاعتبارات غير موضوعية ولا تخدم الصالح العام، واعتماد مبدأ (الإدارة بالتجريب) أو (التعلم بالإدارة) في العديد من الحالات.

6 عدم اتخاذ اجراءات حاسمة وحازمة في مكافحة الفساد الكبير ومواجهة التحالف وحماية المصالح القائم بين بعض مراكز القوى ورجال الأعمال.

7 تحجيم دور المؤسسات الداعمة الموجودة وإفراغها من محتواها، والمماطلة في إصلاحها، وفي إحداث المؤسسات الداعمة الضرورية المطلوبة، كمراكز التحديث الصناعي والمراكز الفنية.

مما لا شكّ فيه أن قائمة الدروس أكبر وأوسع مما ورد أعلاه، لكن ما جعلنا نركز على ما أوردناه هو ما نراه في الوقت الراهن من استمرار للممارسات المذكورة بهذا الشكل أو بآخر، وهو ما يثير لدى الجميع مخاوف مشروعة من عدم الاستفادة من دروس الماضي وتوفير البيئة المناسبة لاستمرارها – إن لم نقل تفاقمها بسبب ظروف الأزمة ونتائجها – وهو ما نطالب بتجنبه وتداركه قبل فوات الأوان.

العدد 1104 - 24/4/2024